الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

هزيمة داعش تهدد بتقسيم المنطقة على أساس عرقي وطائفي

2016-01-01 11:47:08 PM
 هزيمة داعش تهدد بتقسيم المنطقة على أساس عرقي وطائفي
مع تراجع تنظيم داعش أمام تزايد قوة خصومه، تزرع بذورُ صراعاتٍ جديدة في المنطقة، تغذيها الدوافع الطائفية والقومية

الحدث - وكالات

قال خبراء إن طبيعة خصوم داعش متنوعة، وكل خصم يبحث عن نصيبه من الكعكة في اليوم التالي لهزيمة التنظيم المتطرف.

 

ومع تراجع تنظيم داعش أمام تزايد قوة خصومه، تزرع بذورُ صراعاتٍ جديدة في المنطقة، تغذيها الدوافع الطائفية والقومية، بحسب تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست.

 

ويتم خوض الحرب ـ التي يفترض أن الهدف منها مكافحة الإرهاب ـ لأسباب مختلفة تماماً من قبل مجموعات متنوعة من المقاتلين الشيعة والكرد والسنة في العراق وسوريا، وغالباً ما تكون وفق أجنداتٍ متنافسة على حساب الهدف الأساسي وهو هزيمة “داعش”.

 

الحدود الكردية 

 ويقول التقرير إن الأكراد في شمال العراق وسوريا، ينشغلون أساسا برسم حدود كردية جديدة تمثل مناطق نفوذ وسيطرة لهم.

 

أما الميليشيات الشيعية، وهي الآن أعتى قوة في العراق، توسع نطاق سيطرتها بعمق داخل المناطق السنية في شمال العراق.

 

فيما تركز الحكومة السورية كل طاقاتها لاسترداد الأرض التي استولت عليها المعارضة خلال السنوات الخمس من عمر الثورة.

 

بينما تحارب قوات المعارضة السورية المنقسمة بعمق على جبهتين للاحتفاظ بالأراضي التي تسيطر  عليها ضد كل من قوات الحكومة و”داعش”.

 

في هذا المشهد المفكك، “داعش” ليست سوى واحدة من الجماعات المتعددة التي تتنافس على كسب الأرض والهيمنة على دولتي العراق وسوريا المنهارتين نتيجة المزاحمة على السلطة بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 وبعد الثورة السورية في عام 2011.

 

 أمل بهزيمة داعش

ربما يتم القضاء على “داعش” قريباً وربما لا، لكن سلسلة الهزائم التي مُني بها التنظيم في الأشهر الأخيرة في شمال شرق سوريا، وشمال العراق وأخيراً في الرمادي، أنعشت الآمال في أن زواله أقرب مما كان متوقعاً.

 

ويرى خبراء بأنه من الواضح أن الانتصار على التنظيم لن يُنهي سفك الدماء في المنطقة، مشيرين إلى أن أحدا لا يفكر في المرحلة التالية التي ستكون دمويةً، فوضوية مثلما هي الحال الآن”.

 

ويضيف خبراء أن قلب الشرق الأوسط تغير، ونظامُ الدولة الهش الذي كان موجوداً تلاشى”، لافتين إلى أنه على طول خطوط الجبهة، تعيد الحربُ ضد “داعش” رسمَ خريطة الشرق الأوسط بشكل لا رجعة عنه ربما.

 

ويؤكد الخبراء بأنه “لا توجد خطة موحدة لدى خصوم داعش، ولا يوجد هدف مشترك، بل ألغاز مركَّبة من الأجزاء المنهارة من العراق وسوريا”.

 

الأكراد يتقدمون في سوريا

وبحسب تقرير واشنطن بوست، فإن أحد أجزاء الألغاز ينكشف على طول “الطريق الدولي” الذي يربط بين شمال العراق وساحل المتوسط السوري، وقد استخدمه “داعش” كطريق إمدادٍ يمتد عبر الحدود الممحية تقريباً بين العراق وسوريا.

 

وفي شمال شرق سوريا، يحدِّد الطريق خطَّ الجبهة بين “داعش” والمناطق التي تُسيطر عليها الأقلية الكردية، والتي برزت كشريك فعَّال للولايات المتحدة في الحرب على التنظيم.

 

أما الرقة، عاصمة التنظيم التي تحتل المرتبة الثانية في أولويات الحملة العسكرية الأميركية، فتقع على بعد 30 ميلاً نحو الجنوب.

 

لكن الرقة، وهي المدينة العربية، ليست أولوية بالنسبة لوحدات حماية الشعب الكردية المنشغلة بتوطيد نفوذها في شمال شرق سوريا.

 

خلال السنة الأخيرة، قامت الوحدات الكردية بتوسيع نطاق منطقتها بنسبة 186%- مقارنة بتقلص 14% من المساحة الأكبر بكثير التي يسيطر عليها التنظيم- وهذا يجعل هذه الوحدات الرابح الأكبر في الحرب، حسب الأرقام التي جمعها مركز IHS لرصد الصراعات.

 

وتأمل الوحدات الكردية الآن في السيطرة على منطقة عفرين المعزولة في أقصى الغرب، في محافظة حلب، والمحاطة بمنطقة تسيطر عليها مجموعاتٌ من قوات المعارضة السورية.

 

وفي محاولة لفتح الطريق إلى عفرين، تركزت العمليات العسكرية للوحدات في تلك المنطقة، وهو ما وضع الكرد في حالة صراعٍ مع الجيش السوري الحر، وربما مع تركيا التي تصمم على منع قيام كيانٍ كردي في المنطقة.

 

وتُرك خط الجبهة في الرقة لمجموعاتٍ من ثوار الرقة السابقين الذين طردهم التنظيم منها. و يحارب هؤلاء الثوار برشاشات كلاشينكوف قديمة على طول حاجزٍ طبيعي وعر في الصحراء الواقعة جنوب بلدة عين العيسى.

 

ويشوب علاقة هؤلاء الثوار مع الوحدات الكردية التوتر، كما تم تجاهلهم في عملية تسليح المعارضة السنية التي تبناها البنتاغون لطرد التنظيم من المناطق السنية.

 

لكن استراتيجية الاعتماد على قوات كردية لمحاربة “داعش” في المناطق العربية “محكومةٌ بجعل الأمور أسوأ، وليس أفضل”، كما قال روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة السابق في سوريا.

 

وأضاف فورد “يساعد الأمريكان في إنشاء منطقة حكم ذاتي معلن من طرف واحد في المنطقة الكردية، والعرب السوريون لن يقبلوا هذا. وسيقود هذا إلى تقسيم سوريا، وإن تم تفكيك البلد بهذا الشكل، فهذا سيصعِّب من عملية القضاء على تنظيم داعش”.

 

خط التماس الكردي- العربي

تهيمن نفس المعضلة على طول حدود المنطقة الكردية في شمال العراق، وتحديداً في ساحة المعركة الدائرة إلى الجنوب من بلدة “مخمور” التي كانت ذات يوم مسكونةً من قبل خليط عربي- كردي، والتي ساهم سقوطها بيد التنظيم في أغسطس/آب من عام 2014 في بدء الضربات الجوية الأميركية.

 

 لم يستمر احتلالُ المتشددين للبلدة أكثر من 48 ساعة، فقد تدخلت الطائرات الحربية الأميركية وتقهقر التنظيم في أول إشارة على أن القوة الجوية يمكن أن تكون حاسمة في وقف تقدم مسلحي التنظيم.

 

لم يتغير خط الجبهة منذ ذلك الوقت، ويتكون الخط من متاهةٍ من الخنادق، والمتاريس وأكياس الرمل، تمتد عبر السهول الخصبة لمحافظة نينوى في شمال العراق، ويفصل الخط المنطقة الكردية عن المنطقة التي تخضع لداعش، كما تشكِّل الحدود الجنوبية للمناطق التي تقول حكومة إقليم كردستان العراق إنها جزءٌ من الدولة الكردية التي لم تُعلن بعد.

 

القرى التي تقع إلى الجنوب من هذا الخط يسكنها العرب، وتقول قوات البيشمركة التي تحرس الجبهة إنه لا نية لديها في التقدم، رغم أن بمقدورهم فعل ذلك.

 

الكولونيل يادغار هجران، الذي يقود القوات على خط الجبهة يقول: “لن نتقدم أبعد من خط الجبهة هذا لأن هذه مناطق عربية. إن كان على أحدٍ أن يحرر هذه المناطق، فيجب أن يكونوا من العرب، لأنه لو قام الكرد بتحريرها، ستتحول الحرب إلى حربٍ عرقية”.

 

لكنها بالفعل حربٌ عرقية من عدة نواحي، بسبب وقوعها على خط التماس الكردي- العربي في شمال العراق، و كثيراً ما كانت بلدة مخمور محل نزاع، وقد كانت من ضمن المناطق التي خضعت لبرنامج “التعريب” الذي طبقه الرئيس العراقي صدام حسين في ثمانينيات القرن الماضي.

 

استولى الكرد على البلدة بعد أن دخلت القوات الأميركية إلى المنطقة في عام 2003، وهو ما دفع العديد من سكانها العرب إلى النزوح منها.

 

وحسب الدستور العراقي الجديد، سيتم تقرير الوضع النهائي للبلدة عبر إجراء استفتاء، لكن هذه الخطوة أصبحت محل جدل منذ بدأت الحرب ضد “داعش”.

 

انتصارات الشيعة

 

لكن الميليشيات الشيعية التي تحارب “داعش” على بعد 40 ميلاً إلى الجنوب، في مصفاة بيجي المدمرة، لا تتفق مع هذا الرأي.

 

تم تحرير المصفاة في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعد أكثر من سنة من معارك الكر والفر مع التنظيم، وكانت الميليشيات الشيعية تُحارب ضمن صفوف “الحشد الشعبي”،  ولعبت دوراً جوهرياً في الانتصار الذي حققته قوات الجيش العراقي.

 

وتحول خط الجبهة الآن إلى جبال “مخول”، وهي سلسلةٌ من التلال الاستراتيجية التي تطل على المصفاة كما تطل على الطريق السريع المؤدي إلى الموصل، أكبر المدن التي يسيطر عليها التنظيم.

 

هذه أيضاً منطقة سنيةٌ تمت السيطرة عليها من الشيعة الذين يحاربون بعيداً عن معقلهم في جنوب العراق، “بتشجيع من قادتهم الدينيين”.

 

وعلى طول الطريق السريع الممتد 200 ميل بين بيجي وبغداد، تقع أطلال القرى السنية التي دمرتها الضربات الجوية والمدفعية العراقية في القتال المحتدم لطرد التنظيم.

 

وقال ستار أهوان، أحد المقاتلين المرابطين على التلة: “نحن نتبع أوامر المرجعية”، ويقصد بها السلطة الدينية العليا للشيعة في النجف.

 

كيانٌ سنيٌّ منفصل

 

 بالنسبة للعراقيين السنة المشاركين في الحرب ضد “داعش” السنية، تشكِّل رمزية هذه المشاهد التي يتم بثها على التلفزيون، أمراً مقلقاً.

 

أميريات فلوجة في محافظة الأنبار هي إحدى البلدات السنية القليلة التي صمدت في وجه اجتياح التنظيم خلال العام الماضي، وهي أولى البلدات التي شارك سكانها في الحرب ضد التنظيم.

 

عاد عدة مئاتٍ من أبناء القبائل السنية المحلية الذين دربتهم الولايات المتحدة إلى المنطقة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2015، وبدأوا بأول هجوم لهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بمساعدة من قوات الجيش العراقي.

 

واستطاعت هذه القوة اختراق المناطق التي سيطر عليها التنظيم خلال 36 ساعة، كما سيطروا على ثلاثة أميال إضافية من الأرض.

 

ويقول المحاربون أنهم واثقون من قدرتهم على التقدم والاستيلاء على الفلوجة نفسها إن تم تقديم الدعم الكافي لهم من الحكومة العراقية ومن الحلفاء أمثال الولايات المتحدة.

 

لكن الأسلحة لا تصل إلى هذه الجبهة المهملة، ولا يرتدي المقاتلون أي زي موحد، وبعضهم مسلحٌ فقط ببنادق قديمة، فالحكومة مترددة في تسليح العشائر السنية خوفاً من تعزيز قوة خصوم محتملين، والسنة هنا يتساءلون عن مستقبلهم في عراق يحكمه الشيعة بوضوح الآن أكثر من أي وقت مضى.