الحدث- ناديا القطب
يحثنا تسارع اشتعال جذوة الصراع بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي كان آخرها إقدام السعودية على إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، إلى التساؤل بشأن جذور وتاريخ هذا الصراع والتوتر والتجاذب السياسي بين القوتين الإقليميتين، في محاولة لفهم أسبابه وتفسيراته وبالتالي تأثيراته.
وراثة التركة الصفوية والعثمانية
من حيث المبدأ، فإن الخلاف السعودي الإيراني هو خلاف تاريخي، يعود إلى ذلك الخلاف بين الصفويين والعثمانيين، إذ تعد إيران وريثة الدولة الصفوية الشيعية، بينما تعد السعودية وريثة الإمبراطورية العثمانية السنية.
ولم تكن العلاقة بين الصفويين والعثمانيين علاقة طيبة أبداً، إذ سادتها الحروب، ومحاولة فرض النفوذ الشيعي في المنطقة من قبل الصفويين، بينما سعى العثمانييون إلى فرض النفوذ السني شرقا وغربا، فكانت الدولة العثمانية تحارب الدولة الصفوية من جهة، وتحارب دول أوروبية من جهة ثانية من بينها روسيا والنمسا وإيطاليا وغيرهم.
وقد كان للحروب بين الدولتين الأثر الكبير على قوة كل منهما، وإضعافها.
علاقات رسمية في حدها الأدنى
عند تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1927، اتسمت العلاقة بين البلدين بالرسمية الشديدة، دون وجود علاقات دبلوماسية، حتى أن جوازات السفر الإيرانية كانت تحمل عبارة “يسمح لحامل هذا الجواز بزيارة جميع الدول ما عدا الحجاز”.
وفي عام 1929، تم توقيع معاهدة صداقة بين السعودية وإيران ليتبعها بعد عام واحد افتتاح أول سفارة إيرانية في السعودية في مدينة جدة واكتفى البلدان بالتمثيل الدبلوماسي الأدنى.
بذل الملك المؤسس في السعودية جهده في تطوير العلاقة مع إيران فأرسل في عام 1932 ميلادي وفدا رسميا برئاسة الأمير فيصل الذي كان نائبه على الحجاز إلى طهران في أول زيارة رسمية سعودية إلى إيران، ولم تقم إيران بإرسال أي وفد سعودي لزيارة السعودية ردا على زيارة الأمير فيصل وبقيت العلاقة الرسمية في حدها الأدنى طيلة فترة حكم الشاه رضا البهلوي حتى احتل الحلفاء إيران عام 1941 ليتنازل الشاه عن حكمه مرغما لابنه الشاب محمد رضا البهلوي.
الاعتراف بإسرائيل
في العام 1950 كانت إيران من أول الدول التي اعترفت بالكيان الإسرائيلي وكان ذلك سببا لخلاف آخر بين إيران والسعودية حيث كانت الصحف الإيرانية تشجع يهود إيران على الهجرة لإسرائيل.
مصر العدو المشترك
في العام 1952 قامت ثور الضباط الاحرار في مصر لتسقط حكم الملك فاروق مما اشعر إيران والسعودية بخطر الانقلابات التي تهدد الانظمة الملكية في المنطقة.
عام 1957ميلادي قام الشاه محمد رضا البهلوي بزيارة للسعودية في محاولة لإعادة العلاقات، وقام بزيارة مكة والمدينة لأداء فريضة الحج، ورغم علمانيته إلا أنه حرص على إظهار صورته يبكي عند قبور آل البيت.
كان الهدف من الزيارة توحيد الجهود الإيرانية السعودية ضد عبد الناصر وايقاف تصدير الثورة المصرية إلى ممالك المنطقة، فاعتبر الشاهُ الملكَ فيصل القائد العربي الوحيد القادر على التصدي لعبد الناصر وصرح بذلك معلنا استعداده للتعاون ضد جنون عبد الناصر.
في سبتمبر 1962م، دخلت القوات المصرية اليمن فاستنفرت السعودية وإيران لمواجهة الخطر القادم من عبد الناصر، فأعلنت إيران عن تجهيز قوات للتوجه للسعودية لحماية حدودها الجنوبية من العدوان المصري السافر، وصل عدد القوات المصرية في اليمن 55 ألف جندي وبدأت الطائرات المصرية بقصف مطار ومستشفى أبها وخشي الشاه على سقوط اليمن؛ ومع حرب عبد الناصر الإعلامية على السعودية وتشكيل الأمراء الأحرار، خشي الشاه على سيطرة عبد الناصر على السعودية الغنية بالنفط ايضا فقرر مواجهته بأي ثمن ودعم السعوديين.
عام 1967 سحبت مصر قواتها من اليمن بالتنسيق مع السعودية بعد خسائر كبيرة بين جميع الأطراف المتقاتلة، واعتبر شاه إيران وملك السعودية ما حصل نصرا لهما، وحداً لطموحات عبد الناصر، وتمكيننا لحكمهما الملكي في إيران والسعودية.
البحرين تزيد التوتر
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت منطقة الخليج العربي أقل أهمية للإدارة البريطانية ففي عام 1968، أعلنت الحكومة البريطانية قرارها لإنهاء علاقات المعاهدة التي كانت قد عقدتها مع شيوخ دول الخليج العربية. وكانت إيران بالادعاء بأحقيته بحكم البحرين منذ أول اتفاقية بين البحرين والبريطانيين في القرن التاسع عشر، وجددت الحكومة الإيرانية مطالبها حين رأت نية بريطانيا مغادرة الخليج.
وبسبب انسحاب البريطانيين من البحرين وزيارة الشيخ عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين إلى السعودية، حيث رآت إيران أن استقبال الشيخ عيسى اعترافا سعوديا بالدولة البحرينية الجديدة. وهددت إيران بضم البحرين بالقوة العسكرية إلى اراضيها فرد الملك فيصل بأن أي هجوم على البحرين سيرد عليه من السعودية، وفي نهاية العام قام الشاه بزيارة السعودية في محاولة لرأب الصدع مجددا مع اصرار الشاه في إيران على رفض استقلال البحرين وبقاء مقاعد البحرين في البرلمان الإيراني فارغة.
إيران والسعودية حليفا الولايات المتحدة
في عهد الشاه محمد رضا بهلوي ارتبط البلدان خلالها بعلاقات تعاون، حيث كانا حليفين للولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس نيكسون، الذي أطلق مبدأ نيكسون القائل بأن السلام لا يتحقق دون شراكة بين حلفاء الولايات المتحدة. لهذا كانت واشنطن المصدر الرئيس للمساعدات والواردات العسكرية للبلدين، في الفترة من 1970-1975.
.
الحرب العراقية- الإيرانية
بعد نجاح الثورة الإيرانية، شعرت السعودية، ومعها دول الخليج، من خطر تصدير الثورة لدولهم، وخاصة مع وجود أقليات شيعية في السعودية والكويت والبحرين، ومع نهاية عام 1980 بدأت الحرب العراقية الإيرانية بدعم سخي من السعودية.
1981.. حرب ناقلات النفط
استمرارًا للدعم السعودي للعراق في حربها ضد إيران، دخلت السعودية فيما سمي بـ«حرب ناقلات النفط»، التي بدأت في عام 1981، وكانت عبارة عن استهداف متبادل لناقلات النفط والناقلات البحرية بين البلدين لقطع الإمدادات الاقتصادية والعسكرية للدولتين. ولم يكن الأمر مقتصراً على استهداف السفن التابعة للدولتين المتحاربتين بل امتدت لتشمل الدول الداعمة، إذ هوجمت سفينة كويتية في 13 مايو 1984، وأخرى سعودية في 16 مايو 1984من قبل السفن الحربية.
1986.. اتهامات تفجير الكعبة
دخل الحجاج الإيرانيون، على خط الصراع بين الدولتين، إذ أعلنت سلطات الأمن السعودية اكتشاف متفجرات، تُعرف باسم C4، وسط حقائب عدد من الحجاج الإيرانيين القادمين للمطار.
واتهمت السعودية إيران بمحاولة تفجير الكعبة، حيث ذكرت السعودية أن طائرة حجاج إيرانية هبطت في جدة، وبعد تفتيش الحقائب من قبل رجال الجمارك تبين أن جميع ركابها الـ110 يخبئون في حقائبهم مادة شديدة الانفجار.
1987.. مظاهرات الحرم
استمرار الحجاج الإيرانيين في الدخول على خط الصراع بين الدولتين، إذ قاموا بمظاهرات حاشدة أثناء موسم الحج تنديدًا بما سموه «جرائم الولايات المتحدة الأمريكية ضدّ البلدان والشعوب الإسلامية»، وأسفرت المواجهات، عن مقتل 402 شخص بينهم 275 إيرانيًا، و85 سعوديًا.
1989.. اتهامات بتفجير الحرم
اتهمت السعودية إيران بالتخطيط لإحداث تفجيرات في المملكة، بعد تفجير جسر قريب من المسجد الحرام عام 1989، وأحبطت السلطات محاولة أخرى لتفجير نفق المعيصم المخصص للمشاة في مكة، قامت السعودية على إثر ذلك بطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من المملكة وقطعت العلاقات الدبلوماسية معها.
2011.. مظاهرات البحرين
لم تخف إيران تأييدها لمطالب المحتجين الشيعة في البحرين، التي بدأت في مارس 2011، في حين وقفت السعودية بجوار الحكومة البحرينية، وحذّر رئيس البرلمان الإيراني من أن إرسال قوات عسكرية من الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة إلى البحرين سيجعلهم «يواجهون غضب الشعب البحريني».
وشاركت قوات درع الجزيرة المشتركة التابعة لمجلس التعاون الخليجي، في فظ مظاهرات شيعة البحرين.
2012.. سوريا
تقف إيران بجانب الرئيس السوري بشار الأسد، في الصراع الدائر بين قوات الأسد، والميليشيات المسلحة منذ عام 2011.
وبحسب تقارير إعلامية، تشارك إيران في الحرب السورية عبر مستشارين عسكريين، إلى جانب قوات من حزب الله اللبناني المدعوم من إيران، في حين تدعم السعودية جماعات من المعارضة السورية، مشددًا على وجوب رحيل بشار الأسد عن المشهد السوري، لحل الأزمة التي خلفت نحو 260 ألف قتيل في 5 سنوات.
2014.. عاصفة الحزم
اتسعت حلقات الصراع بين البلدين، بعد قيادة السعودية تحالفا عسكريا من عشرات الدول في مارس 2014، للدخول في حرب في اليمن ضد جماعة «الحوثيين»، المدعومة من إيران.
وتقف المملكة العربية السعودية بجانب قوات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ضد جماعة أنصار الله الحوثية، المدعومة من إيران.
2015.. حادثة تدافع منى
وتصاعدت حدة التوتر بين طهران والرياض، بعد حادثة تدافع الحجاج في مشعر منى التي راح ضحيتها أكثر من 700 شخص، 131 منهم حجاج إيرانيون.
وانتقدت طهران التي أعلنت الحداد ثلاثة أيام الرياض «للإجراءات غير الملائمة» التي تسببت في حادث التدافع، وطالبتها بتحمل مسؤوليتها.
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله على خامنئي، انتقد ما وصفه بـ«الإجراءات غير الملائمة» التي تسببت في حادث التدافع، وأعلن حدادًا لمدة ثلاثة أيام اعتبارًا من الجمعة في إيران.
ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن خامنئي قوله «على الحكومة السعودية أن تتحمل مسؤوليتها الكبرى في هذا الحادث المرير».
2016.. إعدام نمر النمر
أقدمت السعودية على اعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، فاقتحم متظاهرون غاضبون مقر السفارة السعودية في طهران احتجاجا على إعدام النمر، وحثت الخارجية الإيرانية المحتجين على احترام المباني الدبلوماسية.
وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي إن الانتقام الإلهي سيحل على الساسة السعوديين «لأنهم سكبوا دماء شهيد دون وجه حق».
وأصدر الرئيس الإيراني، الشیخ حسن روحانی، بیانًا أدان فیه قرار الحكومة السعودیة بإعدام الشیخ نمر باقر النمر، واصفًا ما أقدمت علیه بالخطوة «اللا إسلامیة» و«اللا إنسانیة» وأنها تصب فی إطار سیاسة «إثارة الفرقة وإثارة التطرف والإرهاب»، بحسب ما قالت وكالة «مهر» الإيرانية.