الحدث - وكالات
أمام انتشار الخطاب الديني المتطرف بكثافة خلال العقود الأخيرة وتواتر الأعمال الإرهابية التي صارت تهدد كل دول العالم، يرى مراقبون على أن بلدان عديدة على غرار المغرب والسينغال ومصر تتجه نحو دعم الفكر المتصوف كبديل ورادع لهذه الأفكار، فهل يمكن أن يكون التصوف حلا في مواجهة التطرف؟
التصوف هو وجه آخر للإسلام الذي شوهته الأفكار المتطرفة الساعية للانتشار عبر التفجيرات والتقتيل مهددة استقرار العالم. ويرى البعض أن فتح الباب للفكر المتصوف يمكن أن يكون حلا لاحتواء حماسة بعض الشباب للجهاد.
"تغذية الروح هي الجهاد الأكبر " عند المتصوفة
وعن التصوف قال طارق أبو نور وهو إمام خطيب بباريس، إنه ليس إيولوجيا، بل هو مقام الإحسان وتزكية النفس من كل الشوائب والكره والبغض. وقال عنه الصحافي المصري محمد سلامة المتخصص في التصوف لفرانس24، نقلا عن النقشبندي" تكون يدك في العمل وقلبك يذكر الله" (والنقشبندي هو أحد المتصوفة المعروفين في القرن العشرين).
وأضاف طارق أبو نور، وهو الأمين العام للمجمع الفقهي الأوروبي المستقل للمالية الإسلامية بفرنسا، أن "المتصوفة يعملون على تغذية الروح وتزكية النفس وتطهير القلب من أمراضه، ما يعتبر بالنسبة إليهم الجهاد الأكبر".
في المقابل ووفق أبو نور" يستمد الفكر المتطرف أصوله من الجفاف الروحي. وفي غياب الوازع الروحي، يصبح الدين مظهرا تتحقق به بعض الأغراض الدنيئة، كما حال الخوارج الذين تحدث عنهم الرسول".
والخوارج هو مصطلح تاريخي مقتبس من أحاديث تنسب إلى الرسول محمد وتطلق على الطوائف المتشددة التي تفسر الدين بشكل سطحي وتستبيح دماء كل من يعارضهم.
ووضح أبو نور أن "سوء فهم النصوص وتفسيرها بظاهرها، نجدها عند بعض الحركات اليوم، كالحركات السلفية، التي وقفت عند قراءة ظاهر النص القرآني والنبوي، وأقصت كل الأمور الأخلاقية والروحية، ما أوقعهم في التطرف الفعلي".
وعن الدور السياسي للتصوف قال أبو نور "التصوف ليس سياسة والمتصوفة يعارضون أن يقع استخدام فكرهم لأغراض سياسية، فالمتصوف إنسان مستقل عقائديا وليس لعبة في يد أحد، وليس له أهداف سياسية،" وأضاف أن "التصوف منهج حياة".
وإن كان المتطرفون أوفياء لمشروع بناء دولتهم مهما كان الثمن، فإن المتصوفة يعتقدون أن "حب الأوطان من الإيمان"، حسب قول أبو نور. وأضاف الإمام أن "شرع الله يأمرنا بطاعة أولياء الأمر، ودرء الفتنة". وتابع أن "المنهج الصوفي يقتضي أن يكون الإنسان نافعا، حاملا مسؤولية الإعمار في الأرض، والسعي لإصلاح النفس حتى تصلح المجموعة".
الصوفيون "عنيفون بسلبيتهم" في نظر البعض
فالتصوف حسب أبو يعرب المرزوقي، الفيلسوف التونسي المتخصص في الفلسفات الدينية، قسمان، ويرى في كليهما نوعا من العنف.
الأول قسم التصوف السني الذي يعتبر جهادا دفاعيا أمام الاستعمار والعدو، والذي بموجبه سعى أتباعه إلى حماية بلادهم وقت الاستعمار، كما حصل في ليبيا مع محمد إدريس السنوسي الذي قاوم الاستعمار الإيطالي وقد كان متصوفا، وهو ما يمكن اعتباره شكلا من أشكال العنف حسب قول الفيلسوف.
والقسم الثاني وهو القائل بوحدة الوجود، وفق تعبير المرزوقي، هو القسم المستسلم والسلبي والذي يقبل بظلم الدولة وعنفها. والتسليم بعنف الدولة اعتبره المرزوقي "سلبية عنيفة". فحسب رأيه يسكت المتصوف على القمع الذي تمارسه الدولة حتى وإن طاله ويرجعه لقضاء الله وقدره.
وعن تجربة بعض الدول التي شجعت انتشار التصوف والزوايا لاحتواء الأفكار المتطرفة قال المرزوقي "إن المغرب نجح في التصدي للتطرف في بلاده لأنه أعطى الحقوق والحريات لشعبه للمشاركة في الحياة السياسية وليس لأنه شجع فكر التصوف، كما أن الشعب المغربي بطبعه لديه ميولات دينية قوية لهذا استهواهم التصوف."
لكن تونس ورغم أن ثورة الربيع العربي كانت أملا لمشاركة الشباب في الحياة السياسية إلا أنه وقع تهميشهم، وتداولت على تونس عدة حكومات مكونة أغلبها من رموز النظام السابق" وفق تعبيره، "إضافة إلى هشاشة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي بقي على حاله" كما ذكر المرزوقي.
وبالتالي فإن معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي ودعم المجال الثقافي هو الحل للتطرف، بالنسبة لأبو يعرب المرزوقي.
ولابد أن الحلول في مواجهة التطرف عبر العالم اليوم كامنة في النهوض بالمجالات الاقتصادية والاجتماعية، لكن تبقى التربية الروحية والفكرية أهم أسسها.