الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

إسأل "الحدث": هل الحكومة ملزمة بعرض موازنة 2016 على النقاش المجتمعي؟

2016-01-10 01:06:32 PM
إسأل
اجتماع الحكومة الفلسطينية

الإجابة على هذا السؤال، غير مرتبطة، من حيث المبدأ، بوجود أو تغييب المجلس التشريعي، ورقابته على الأداء الحكومي والموازنة العامة، دون التقليل من أهمية الرقابة البرلمانية، بقدر ما تساهم في تشخيص واقع منظومة الشفافية والنزاهة والمساءلة كأساس للحكم الصالح، ومدى إيمان النظام السياسي القائم بحق الأفراد في المعرفة باعتباره الجيل الثالث من أجيال حقوق الإنسان، لأنه حقٌ للمجتمع ككل، تماماً كحق تقرير المصير في منظومة قيم حقوق الإنسان، ولا ينكره إلا نظامٌ قلقٌ مرتبكٌ لا يؤمن بحقوق الأفراد ومنغلقٌ على نفسه.

 

نعم، الحكومة ملزمة، قانونياً ووطنياً وأخلاقياً، بعرض الموازنات العامة على النقاش المجتمعي، وبنشرها كاملة بعد إقرارها، وبالانفتاح على النقاش المجتمعي في مرحلة الرقابة على تنفيذها، وبالشراكة في الإطار الأشمل المتعلق بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تعد الموازنة العامة الأداة المالية لتنفيذها، والإ فما معنى الشراكة المجتمعية "الفعّالة" التي تتحدث عنها خطة التنمية الوطنية 2014- 2016 خلال عملية إعداد الخطة وفي مراحل تنفيذها وما مغزى إدماج معايير حقوق الإنسان في خطة التنمية التي يُفترض أنها ملزمة للحكومة؟!

 

المواطن الفلسطيني، يمول من جيبه نحو 70% من حجم الانفاق الحكومي، من خلال ما تجبيه الحكومة من الإيرادات الضريبية والجمركية المرتفعة التي تشكل 25% من الناتج المحلي، وقد بات غير قادر على الإطلاق على تحمل المزيد من الأعباء الضريبية، لحل الأزمة المالية للحكومة، المرشحة للمزيد من التفاقم لاعتبارات عديدة،  على الحكومة أن تدرك هذه المعادلة جيداً، وأبعادها وتبعاتها المحتملة التي قد تقود نحو المجهول إذا ما أصرت على الاستمرار في نهجها الارتجالي وأدائها الذي يفتقر إلى سياسات اقتصادية واجتماعية واضحة المعالم والأهداف والأولويات، وفي التعامل مع الموازنة العامة على أنها مستودع أسرار لا تعني المواطن الفلسطيني!

 

ولأن المواطن الفلسطيني، هو المساهم الأبرز في تمويل الإنفاق الحكومي العام ب70% من حجمه، فإن من أبسط حقوقه المشاركة في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية والمشاركة في دورة الموازنة كاملة إعداداً وتنفيذاً ورقابة على سلامة التنفيذ وحسن إدارة المال العام. وإذا كانت الحكومة حريصة على الانفتاح على الممولين الذين يساهمون من خلال المساعدات الخارجية المقدمة بنسبة ما تبقى من حجم الإنفاق الحكومي ، حرصاً منهم على بقاء واستمرارية السلطة، بمعزل عن الحكومة التي تتولى مقاليد السلطة،  فمن باب أولى أن تنفتح الحكومة على النقاش المجتمعي مع الشريك والمساهم والممول الأبرز  للإنفاق العام، لأنه قد يفاجىء صناع القرار بما في جعبته من خيارات مع استمرار سياسة التجاهل واللامبالات والارتجال واشتداد وطأة الأزمة المالية.

 

فسطين، انضمت للعديد من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، بدون تحفظات، ومن بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وعلى الحكومة أن تقدم تقريراً رسمياً شاملاً إلى اللجنة الدولية في الأمم المتحدة المعنية بتلك الاتفاقية الدولية يبين مدى احترامها والتزامها وإنفاذها للحقوق المكفولة فيها على المستوى التشريعي والسياساتي وفي الممارسة العملية في آن معاً، وهذا الالتزام الدولي يقع في صميم السياسات الاقتصادية والاجتماعية وأداتها الموازنة العامة، والحكومة مسؤولة عنه بالكامل أمام اللجنة الدولية المذكورة.

 

وبما أن الحكومة قد أعلنت مؤخراً خلال المؤتمر الذي جرى بمقر وزارة الخارجية عن بدء العمل على إنجاز التقرير  الرسمي الخاص بالعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فعليها أن تدرك جيداً أن المبادىء التوجيهية الدولية لتلك الاتفاقية، تلزمها بإشراك المجتمع المدني في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وفي دورة الموازنة العامة بأكملها، وأن اللجنة الدولية المعنية بتلك الاتفاقية ستطرح العديد من الأسئلة على الوفد الحكومي الرسمي بهذا الخصوص بعد انجاز التقرير الحكومي  وعرضه على جلسة المناقشة القادمة في جنيف، ومن الطبيعي أن تركز المنظمات الأهلية على واقع الشراكة المجتمعية في "تقريرها الموازي" للتقرير الحكومي على تلك الاتفاقية الدولية وفي نقاشها مع اللجنة الدولية حول مدى تنفيذ الحكومة لالتزاماتها الدولية.

 

وإذا كان هنالك من لا زال يشكك بالحق في المشاركة المجتمعية في إعداد الموازنة العامة والرقابة على تنفيذها، وقد حرم الأفراد حتى من حقهم في الاطلاع على "موازنة المواطن" بلغة مبسطة بعد أن تراجعت عنها وزارة المالية، وهي تقع ضمن المعايير الدولية للحكم على مدى شفافية الموازنة والأداء، فمن الضروري أن يراجع أيضاً برنامج الإصلاح المالي الذي أعلن عنه وزير المالية السابق منذ مطلع العام 2003 وأقره المجلس التشريعي وقتئذ، وما زال ملزماً للحكومة ووزارة المالية، وقد أكد على النهج التشاركي في دورة الموازنة، ونشرها (بالمعنى القانوني) بعد إقرارها على الموقع الإلكتروني لوزارة المالية بحيث تكون في متناول الجميع، وهذا ما حرص قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية لعام 1998 على التأكيد عليه في المادة (38) التي نصت على وجوب نشر الموازنة العامة بعد إقرارها "للإعلام العام والجمهور" وذلك من أجل ضمان الرقابة المجتمعية على مرحلة التنفيذ.

 

ومع ذلك نجد أن معالي وزير المالية، ومنذ العام 2014 ورغم العديد من الدعوات التي وجهت إليه من قبل الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة لحضور جلسات المكاشفة التي يعقدها الفريق على هذا الصعيد، إلاّ أن معاليه ما زال يتنصل من حضورها ومن النهج التشاركي في دورة الموازنة والرقابة على شفافيتها، خلافاً للنهج الذي كان متبعاً في السابق فيما يخص جلسات المكاشفة، بل إن وزارة المالية لم تنشر موازنة عام 2015 لغاية الآن مكتفية بنشر القرار بقانون بالمصادقة عليها على أنه الموازنة العامة للسنة المالية 2015 بمفهومها القانوني المبين في قانون تنظيم الموازنة العامة والشؤون المالية!  وصولاً إلى البشرى التي زفتها الحكومة مؤخراً من خلال "بيانها الصحفي" الصادر بتاريخ 5/1/2016 وقد أشارت فيه بأنها أقرت الموازنة العامة للسنة المالية 2016 واعتبرته إنجازاً مع بدء السنة المالية لأول مرة منذ سنوات على حد ما ورد في البيان الصحفي المذكور!

 

حتى التشريعات القديمة "البالية" التي لا زالت نافذة لغاية الآن، ولم تخضع لأية مراجعة أو تعديل تشريعي، تلزم الحكومة بالانفتاح على المعنيين بمتابعة أنشطتها وبرامجها ومشاريعها وتسهيل مهمتهم، ومن بينهم الصحفيين للأهمية، ومع ذلك نجد أن وزارة المالية تختفي تماماً عن عدسات ومقابلات الصحفيين، علماً أن قانون المطبوعات والنشر لسنة 1995 النافذ، الذي لا يساهم البتة في تعزيز حرية الرأي والإعلام، يضع التزاماً قانونياً واضحاً على الحكومة وأجهزتها بهذا الخصوص عندما أكد صراحة في المادة (6) منه على وجوب أن تعمل كافة الجهات الرسمية على تسهيل مهمة "الصحفيين والباحثين" في الاطلاع على أنشطتها وبرامجها ومشاريعها.

 

وإذا كانت الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد تحرص على إبراز أهمية المشاركة المجتمعية ودور المواطن الفلسطيني في إعدادها وتنفيذها، وقاية من الفساد وتوعية بمخاطره، وكشفاً عنه وملاحقة لمرتكبيه، فكيف يمكن للمواطن يا سادة أن يكون شريكاً حقيقياً يتجاوز دوره حدود السطور الواردة في الاستراتيجيات، وفي خطة التنمية الوطنية، وما زال مغيباً قسراً عن مجهول السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة وأداتها المالية الأبرز وهي الموازنة العامة في كامل دورتها، وعن عالم التشريعات والسياسات العامة وعملية صنع القرار!   

 

ولا  زال هناك من يشكك وينكر ويتساءل عن مصدر الحق بالمشاركة المجتمعية في سياسات وموازنات الحكومة!