الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لا تخذلوا الرئيس أبو مازن كما خذلتم الزعيم أبو عمار/ د. إبراهيم أبراش

2014-03-06 00:00:00
 لا تخذلوا الرئيس أبو مازن كما خذلتم الزعيم أبو عمار/ د. إبراهيم أبراش
صورة ارشيفية

د. إبراهيم أبراش
الفلسطيني الجيد بالنسبة لإسرائيل هو الفلسطيني الميت ،وقد تكون إسرائيل مضطرة للتعامل مع فلسطينيين عاديين في إطار عمل أو تجارة أو مع مسئولين في إطار عملية تسوية تحت الضغط الدولي أو مراهنة على إمكانية الاستفادة منهم لاستكمال مشروعها الاستيطاني التهويدي ، ولكن عندما تستشعر إسرائيل أن المواطن الفلسطيني متمسك بوطنيته وأن القيادة الفلسطينية متمسكة بالحقوق السياسية الوطنية ولو في إطار الشرعية الدولية والقرارات الموقعة معها ،آنذاك لن تتورع إسرائيل أن تقلب لهم ظهر المِجَن ليصبحوا جميعا في نظرها إرهابيين يجب التخلص منهم .
لا شك أن إدارة الرئيس أبو مازن للصراع مع إسرائيل تختلف عما كان عليه الأمر مع الراحل أبو عمار ،كما أن شخصية أبو مازن تختلف عن شخصية أبو عمار ، وحتى وإن بدا الرئيس أبو مازن قريبا من الإسرائيليين والأمريكيين ومرنا جدا في خطابه ورافضا للعمل العسكري ضد إسرائيل ، فهذه أمور بالنسبة للإسرائيليين ليست مهمة ما دام الرئيس لا يستجيب لمطالبهم وشروطهم التي يريدون تمريرها من خلال اتفاق الإطار الذي يحمله جون كيري.لذا فموقف إسرائيل من أبو مازن مؤخرا لا يختلف عن موقفها من أبو عمار بعد قمة كامب ديفيد 2000 حيث نسمع كل يوم تصريحات من مسئولين إسرائيليين لا تختلف مفرداتها كثيرا عما كانوا يقولونه قبيل التخلص من الرئيس أبو عمار ،وهذا يتطلب أخذ هذه التصريحات مأخذ الجد .
التهديدات المعلنة والمبطنة ضد الرئيس أبو مازن تذكرنا بما جرى للرئيس أبو عمار قُبيل محاصرته في المقاطعة ثم تصفيته بالسم على يد الإسرائيليين وبتواطؤ ومشاركة من معارضين له من داخل البيت الفلسطيني بل الفتحاوي. وهذا يطرح تساؤلات عما إن كان دور الرئيس أبو مازن قد انتهى من وجهة نظر إسرائيل وواشنطن وأصبح مطلوبا إخراجه وإخراج نهجه السلمي من الساحة لتعزيز حالة الفوضى في الساحة الفلسطينية و تمكين قوى جديدة من مواقع سلطوية في كانتونات أسست على بقايا وطن وعلى أنقاض المشروع الوطني؟.هل هناك أطراف تضغط لتوظف القيادات التاريخية التواقة للسلام لتمرير مخططات لا علاقة لها بالمشروع الوطني ولا بالسلام العادل؟.ألا تدل الشواهد بأن نفس القوى ،حتى وإن كانت تبدو متعارضة ومتناقضة، والتي عارضت أبو عمار وتآمرت عليه هي نفسها التي تعارض وتتآمر اليوم على أبو مازن؟!.
عندما وقَّع الرئيس الراحل أبو عمار على وثيقة الاعتراف بإسرائيل  وساير نهج التسوية اعتبرته كثير من القوى السياسية الوطنية والإسلامية داخل الوطن وخارجه وحتى من داخل حركة فتح بأنه تخلى عن المشروع الوطني، ولم يتركوا في القاموس العربي  من ألفاظ القذف والتجريح  والشتيمة السياسية إلا والصقوها بالراحل أبو عمار وكانت صوره تُمزق ويُداس عليها في المسيرات والمظاهرات،كانت الشتائم تُهال عليه في المؤتمرات وعبر الفضائيات ،في ذاك الوقت كان أبو عمار يخوض المعركة السياسية بنفس الشراسة التي خاض بها المعركة العسكرية بدءا من ضفاف نهر الأردن إلى جبل الشيخ وجنوب لبنان مرورا بمعارك الداخل.
انحنى أبو عمار وقبَّل يد ورأس الصغير والكبير ،المرأة والرجل، من شعبه ومن قيادات العالم العربي والأجنبي بما فيها رؤوسا كان يجب أن تُداس وأياد كان يجب أن تُقطع ،ولكنه فعلها من أجل فلسطين.في الوقت الذي كان يخوض المعركة السياسية و ينزل ضيفا في البيت الأبيض ،كان يُهرب الأموال لمن يريد أن يقاتل ويجاهد ،و كان يصمت على تسليح وتجييش الذين يشتمونه من الفصائل الفلسطينية وخصوصا حركة حماس،كان يَقبَل أن يُتهَم وتُتُهم السلطة بالضعف على أن يدخل في مواجهات مسلحة مع حركة حماس وهو كان قادرا على تصفية الحركة أو إضعافها بشدة في السنوات الأولى للسلطة لو أراد،لكنه لم يفعلها  لأنه يؤمن بأن لا تعارض ما بين السلام والمقاومة  ولأنه يؤمن بشعبه و أهميته وحدته أكثر من إيمانه بمصداقية إسرائيل بالسلام ،ولأنه كان قائدا حقيقيا للأمة، والقائد لا يسمح بأي اقتتال داخلي أو حرب أهلية،فوحدة الشعب أهم من السلطة.
بعد مقتل أبو عمار بدأت بعض قيادات وقوى المعارضة تعترف بخجل بأن أبو عمار كان على صواب وأن إسرائيل اغتالته بسبب مواقفه الوطنية،ولكن وللأسف فإن هذه القيادات والقوى لم تمارس النقد الذاتي وتعترف بأنها أساءت للرئيس وأضعفته بما مكن إسرائيل من محاصرته واغتياله.رحل أبو عمار ولم يتنازل عن الحقوق الوطنية ولا عن الثوابت ولا عن فتحاويته الأصيلة،ولو فعلها ما اغتالوه ،لم يغتالوه لأنه يريد العودة للكفاح المسلح فقط بل لأنه أصر على السلام العادل،ولكن يبدو أن قابلية التنازل والتفريط عند منتقديه ممن تآمروا عليه وخذلوه أو لم يفهموه، أكبر واخطر، هؤلاء يتصرفون اليوم مع أبو مازن بنفس الطريقة التي تصرفوا فيها مع أبو عمار .
خلال أيام – 17 من مارس الجاري- سيلتقي الرئيس أبو مازن مع الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته في واشنطن وسيكون اللقاء في أهميته وخطورته شبيه بقمة كامب ديفيد بين أبو عمار وكلنتون عام 2000 ،حيث سيتم طرح خطة كيري بصيغتها النهائية والتي تتضمن كل ما تريده إسرائيل سواء تعلق الأمر بيهودية الدولة أو القدس أو اللاجئين وسيطلب الأمريكيون من الرئيس أن يوافق عليها أو على الأقل أن يقبل بتمديد المفاوضات تحت ذريعة استكمال القضايا المُختلف عليها ، وفي المقابل ومن خلال ما نسمع من تصريحات للرئيس أبو مازن فنعتقد أنه/ أو نتمنى أن يستمر في موقفه الرافض للشروط الأمريكية والإسرائيلية .
من هنا وإلى حين سفر الرئيس لواشنطن وحتى لا تكرر القوى الفلسطينية الأخطاء التي ارتكبتها بحق الرئيس أبو عمار فإن المطلوب التعالي ولو مؤقتا عن الخلافات والمماحكات السياسية والوقوف إلى جانب الرئيس والالتفاف حوله في موقفه المعلن حول التمسك بالثوابت ورفض الشروط الأمريكية والإسرائيلية للتسوية ، وعدم الخلط ما بين ما تريده واشنطن وما تطرحه من رؤى من جانب وموقف الرئيس الفلسطيني من جانب ثاني حيث إلى الآن لن يتنازل عن سقف قضايا التوافق الوطني ويعلن انه لن يمدد المفاوضات إلى ما بعد نهاية ابريل القادم .نعم مطلوب مساندة الرئيس في مواجهة الضغوط الأمريكية والتهديدات الإسرائيلية  لأن القضايا التي يتم بحثها لا تهم الرئيس وحده أو حركة فتح وحدها بل تهم كل الشعب الفلسطيني ،وما ستتمخض عنه المفاوضات سيحدد مستقبل القضية الفلسطينية .
سنفهم ونتفهم موقف كل الرافضين للمفاوضات والمشككين أو المتخوفين من قدرة الرئيس على الثبات على مواقفه ، بل وأشاطرهم تخوفاتهم وقلقهم من بعض التصريحات الصادرة عن الرئيس أو المقربين منه ،يمكن تفهم هؤلاء لو كان عندهم بديلا للمفاوضات أو كانت الحالة الفلسطينية والعربية مستعدة لتحمل مسؤولية وقف المفاوضات والخروج من عملية التسوية . أما وأن المقاومة متوقفة من خلال اتفاقية وقعتها حركة حماس مع إسرائيل وهي اتفاقية تشمل الضفة وكل فلسطين التاريخية ،وحيث إن قطاع غزة محاصر بل ويتزايد وضعه تفاقما وخصوصا بعد قرار محكمة مصرية بتجريم حركة حماس ، وحيث إن الانقسام ما زال مستمرا ولا يبدو في الأفق فرصة إنهائه ... فإن المطلوب وطنيا الوقوف إلى جانب الرئيس في هذه اللحظات الحرجة وتأجيل الحكم عليه والتشكيك فيه إلى حين اتضاح ما سيجري في واشنطن ، وفي ظني كلما كان الالتفاف الشعبي حول موقف الرئيس المتمسك بالحقوق وبالثوابت واسعا كلما كان أكثر قدرة على مواجهة الضغوط الأمريكية،ولكن حتى يحدث هذا الالتفاف حول الرئيس وحتى لا يذهب وكأنه يمثل نفسه فقط أو جزءا من حركة فتح فقط ،مطلوب من الرئيس الدعوة عاجلا لاجتماع موسع للجنة التنفيذية والمجلس المركزي لمنظمة التحرير للتفاهم حول الموقف الفلسطيني الموحد الذي سيتم تقديمه للرئيس الأمريكي في واشنطن ،كذلك اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح لتبني نفس الموقف ولوضع حد لمن يزايد على الرئيس وطنيا،ووضع تصور للإستراتيجية القادمة في حالة عدم تجاوب الإدارة الأمريكية للمطالب الفلسطينية العادلة.