الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

أولويات المجتمع/ بقلم: عبد الغني سلامة

2016-01-12 10:07:55 AM
أولويات المجتمع/ بقلم: عبد الغني سلامة
عبد الغني سلامة

على ماذا يثور الناس ؟ وما هي أكثر الأشياء التي يمكن أن تستفزهم ؟ وما هي طبيعة المواضيع تثير جدلا حادا، وتقسم المجتمع إلى نصفين متناقضين ؟ أين ولماذا تغضب الجماهير، ومتى تعبر عن احتجاجها دون تردد وبأقسى العبارات ؟  قبل أن تتسرعوا بالإجابة، سأستعرض لكم بعض الأحداث التي جرت في الآونة الأخيرة، وكيف كانت ردود أفعال المجتمع ..

في الفترة القصيرة الماضية قتلت إسرائيل عشرات الفلسطينيين بدم بارد، بما في ذلك حرق أطفال، وأقامت مستوطنات جديدة، واقتحمت الأقصى أكثر من مرة، مع تواصل الحصار الخانق على غزة، وتضييق الحياة على المواطنين أكثر فاكثر، مجاعة في "مضايا" وقبلها في "اليرموك"، مع تواصل الاقتتال الداخلي في سورية والعراق، وسقوط آلاف الضحايا، وتشريد الملايين، وابتلاع البحر آلافا من المهجّرين، ونفّذت "داعش" عشرات الإعدامات في المناطق التي تحتلها، كما نفذت السعودية عشرات الإعدامات، وشنت حربا على اليمن، وفي ليبيا تتآكل الدولة وينهار المجتمع يوما بعد يوم، وفي مصر تتواصل العمليات الإرهابية .. هذا بعض ما جرى على المستوى السياسي، أما على المستويات الاجتماعية والاقتصادية فهنالك عشرات القضايا والقصص التي من المفترض أن تهز المجتمع، وأن تُسقط حكومات ..

ولو أخذنا مواقع التواصل الاجتماعي وحركة الشارع معياراً لقياس ردات الفعل؛ وحساب مدى تفاعل العامة مع تلك القضايا والأحداث، سنجد أن التفاعل كان باهتا، وأحيانا معدوما، ولا يتعدى تعليقات خاطفة سريعة، ليست أكثر من تسجيل موقف، أو ردح في سياق المناكفة والمزاودات ..

ولكن، في نفس الفترة تقريبا اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت ردات فعل عنيفة وحادة تجاه أحداث معينة، ومنها: تفوه مذيعة قناة "رؤية" الأردنية بعبارات ذات إيحاءات جنسية في برنامج مخصص للأطفال، صورة التقطها فضولي متطفل لشاب يعانق فتاة على قارعة الطريق، نجاح المغنية الأردنية "نداء شرارة" في برنامج غنائي شهير، تقدم شاب لخطبة فتاة بطريقة غير تلقيدية وخارجة عن المألوف في إحدى الجامعات الأردنية، دبكة تراثية أدتها مجموعة طلبة (صبايا وشباب) من جامعة بير زيت ..

من الطبيعي أن لا يتفق الناس على موقف واحد من قضايا مثيرة للجدل كهذه، ومن حق كل إنسان أن يعبر عن رأيه فيها، وهنا، إنما نجادل في أولويات الناس، واهتماماتهم، ومعرفة لماذا يثورون على قضايا هامشية شكلية، ويتجاهلون القضايا المهمة والجوهرية.

بتأمل بسيط لتلك الأحداث، سنجد أن القاسم المشترك بينها هو "المرأة"؛ والنظر إليها من زاوية واحدة فقط، لا ترى فيها إلا الجسد، والجنس، وتتعامل معها على أنها خُلقت للغواية والفتنة، وأنها متهة دوما، فإذا صافحت الرجل، أو اجتمعت به على انفراد أو حتى في الشارع العام سنكون على الفور أمام احتمالات الفسق والفجور، والتي ستؤدي حتما إلى انحلال المجتمع !!

وبسبب هذه النظرة للمرأة، لا أحد يقبل لها بأن تخرج عن منظومة الضوابط التي وضعها الذكور، وفق مسطرتهم الذكورية، مع إصرار على حصرها بصورة نمطية ثابتة، طبعا مع تغليف كل هذه التصورات بغلاف ديني، رغم أنها تصورات انطلقت أساسا من اعتبارات اجتماعية صرفة ..

وليست هذه النظرة وحدها من يكشف ازدواجية وزيف تلك المعايير الاجتماعية، فباستخدام نفس أدوات القياس (وسائل التواصل الاجتماعي) سنجد أن الرجال الذين يغضبون أشد الغضب إزاء أي تصرفات للمرأة يعتبرونها خروجا عن تقاليد المجتمع، هم أنفسهم بخلواتهم مع ذواتهم، وبسلوكهم اليومي يمارسون كل ما ينتقدونه في المرأة، بل يمارسون كل ما هو أسوأ من ذلك، إلا أنهم يستغلون تلك الأحداث، بإدعاءاتهم الكاذبة، لتطهير ذواتهم وتحسين صورتهم أمام الآخرين، أو أمام أنفسهم، خاصة أولئك لذين تعذبهم ضمائرهم نتيجة احتدام المعارك الداخلية بين ما يريدونه ويمارسونه في السر، وبين ما يصرحون عنه، ويظهرونه للعلن ..

باختصار، استغل الرجل المرأة واستقوى عليها للتنفيس عن كل مكنونات الغضب المحتبسة بداخله، وللتعويض عن شعوره بالهزيمة والانسحاق من العالم الخارجي، وها هو يزاود عليها ويشتمها، مستغلا ضعفها وحساسية موقفها لتلميع صورته، وتنظيف سجله مما علق به من آثام.