الحدث- علا عطاالله
في الطابق الثامن من برج الظافر (4) غرب مدينة غزة، وفي الشقة رقم (29)، لم يتمالك الشاب محمد أبو عساكر نفسه من الغضب، عندما أصيب "طقم النوم التركي" بخدش بسيط، وهو يقوم بإدخاله إلى "بيت الزوجية".
ولم تنجح محاولات خطيبته أسماء خليفة في تهدئته، فهو يريد بيتا "لا تشوبه شائبة"، وغرفة نوم يتباهي بروعة "تصميمها" إلى الأبد.
يَذكر أبو عساكر (27 عاما) جيدا هذا الموقف، الذي حدث قبل أكثر من شهر، وهو يقف اليوم على أنقاض البرج الذي أحالته الطائرات الإسرائيلية إلى جبلٍ من الركام والدمار، وأسقطت طوابقه الـ"13" أرضا.
لا أثر الآن لغرفة النوم، المجهّزة بكافة تفاصيلها، فقد غدت هي و"شقة الحلم"، كما يقول أبو عساكر لوكالة الأناضول "خرابا".
وليس بإمكانه الآن أن يصرخ، أو يصيح بغضب، فالحديث لا يدور عن خدش، بل عن "فاجعة أنهت كل شيء"، وألجمته بـ"الصمت" و"الذهول".
يسير الشاب العشريني، برفقة خطيبته "أسماء" (23 عاما)، ويُشير بيده إلى البرج، وقد تكدست الشقق، وتراكمت فوق بعضها البعض، هي وأثاثها.
ويتابع: "لا أدري أين غرفة نومنا، أو مطبخنا، أو غرفة المعيشة، لقد تحطم حلمنا هنا، واندثر تحت هذا الركام، كان فرحنا أنا وأسماء مقررا في العاشر من شهر أغسطس/آب، لكن الحرب أجلتّه حينا، وقصف البرج أجلّه إلى أجل غير مسمى".
في داخل تلك الشقة، التي لم يعد منها سوى "صور" مخزنّة، في أجهزة هواتف المخطوبين المحمولة، حاول "أسماء" و"محمد" تجهيز البيت بكل شيء.
لا بل وبـ"أغلى" و"أجمل" "المستلزمات" كما تقول خطيبته "أسماء"، التي قالت لوكالة الأناضول، إنّ "البحث عن الأشياء المميزة والثمينة، كان سببا في تأجيل فرحهما لأكثر من مرة".
وتتابع وهي تسير بالقرب من حُطام البرج، " خطبتنا تمت بتاريخ، 23 من يونيو/حزيران العام الماضي، وكنا نؤجل في موعد الزفاف، إلى أن نجهز شقتنا كما نحلم".
وأرادت أسماء لبيتها أن يكون كما تروي "منزلا فلسطينيا تركيا" فخطيبها الحاصل على الجنسية التركية، وعدّها بتصميم تركي للمنزل.
وتُشير بيدها إلى كومة يخرج من ثناياها حطام يبدو وكأنه لمطبخ، يلمع "رخامه"، وتستدرك بحزن: "ربما هذا هو مطبخي، قمت بتجهيزه أنا ومحمد من الألف إلى الياء، ووقفنا طويلا عند اختيار غاز الطهي، قمنا بشرائه غاليا وبأحدث ما يكون، ووعدتّه بأن تكون أول وجبة غذاء لنا في بيتنا الصفيحة التركية".
وتحاول الفتاة المخطوبة أن تُخفي دمعتها، وحزنها على بيت، مشيرة إلى أنها "لم تعش فيه ولم تؤسس ذاكرة تحتضن تفاصيله، لكنّه كان الحلم والبداية لمستقبل يضمها هي وشريك حياتها".
وتتابع: "صحيح أن قدرا أخف من قدر، وأن الله سلم روح خطيبي، وفقدنا البيت فقط، لكن المال يُعادل الروح، كما يقولون، ثم إن خطيبي، كان يدخر راتبه شهرا بعد آخر، كي يقوم بتأثيث الشقة.. كنت أرافقه في كل خطوة، وقررنا أن يكون منزلنا في مكانٍ هادئ وراقٍ، ووقعنا اختيارنا على هذا البرج".
ومضت قائلة، "في أول مرة شاهدت الشقة شعرت بأنها دافئة ومميزة، وبدأنا نخطط.. هنا ستكون غرفة النوم، وهناك المعيشة، وهذه للأطفال".
لكن الطائرات الحربية الإسرائيلية، وتحديدا في 23 أغسطس/آب، دمرت "البرج" الذي يضم "45" وحدة سكنية.
وبكت الشابة "أسماء" كثيرا، وهي تشاهد قصف البرج، وإسقاطه على شاشة التلفاز، وتُضيف: "صرخت بأعلى صوتي، وانهرت، لقد ذهب كل شيء، تلك الآنية الجميلة، الشرفة التي كنت سأتناول فيها فنجان القهوة برفقة محمد، الغاز، التلفاز، المطبخ الأنيق، كل شيء انهار في ثوانٍ، ولم يعد له أثر".
وباللغة التركية التي يُجيدها، بدأ محمد يشرح، كيف تموت أحلام شباب قطاع غزة، الذين يحتاجون لسنوات طويلة لتكوين وتجهيز بيت الزوجية.
وكما تقول أسماء فإن الزفاف بات مؤجلا حتى إشعار آخر، إلا أنها لن تتخلى عن حلمها بإعادة "شقتها" كما كانت برفقة خطيبها، ودعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى زفافها.
وتابعت:" أنا معجبة بالرئيس التركي، وعندما تقدم محمد لخطبتي، خططنا أنا وهو ليكون بيتنا فلسطينيا تركيا، حتى أطفالنا سيكون ولاءهم لفلسطين، وتركيا، وسأدعو إلى زفافي الرجل الأنيق، والسياسي الكبير (أردوغان)، وبإرادتنا سنبني ما دمرته إسرائيل".
المصدر: وكالة الأناضول