الحدث- محاسن أُصرف
بدا انتشار محطات تحلية المياه في قطاع غزة، أشبه بتجارة رائجة تؤمن فرصة عمل ومصدر رزق لكثير من المُتعطلين عن العمل، فلا تكاد تمر بحي في مختلف محافظات القطاع إلا وتلحظ هاتفًا نُقش على الحائط بلونٍ بارز يُخبر عن محطة لبيع المياه العذبة للمواطنين، ناهيك عن عربات الكارو التي تحمل خزانًا شفاف اللون وتجوب الأزقة صبح مساء.
وتتزايد الظاهرة في ظل المعاناة اليومية لأهالي القطاع من انقطاع التيار الكهربائي وعدم وصول المياه إلى منازلهم فيلجئون لتلك المحطات طلبًا للماء الصالح للاستخدام الآدمي، لكنهم لا يحظون به أحيانًا كثيرة نظرًا لضعف الرقابة الممارسة من قبل الجهات الرسمية على تلك المحطات.
مواصفات غير صحية
وشكى مواطنون لـ"الحدث" من عدم توفر مقاييس السلامة الصحية في المياه التي تبيعها محطات التحلية لهم، وأخبرنا المواطن، نبيل أبو مصطفى (50عامًا) من مدينة خان يونس أنه يضطر بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء وعدم وصول مياه البلدية إلى منزله بمخيم خان يونس للاجئين، إلى شراء المياه عبر المحطات المنتشرة عناوينها على جدران المخيم، لكنها أحيانًا لا تكون صالحة للاستخدام الآدمي من حيث الجودة والسلامة الصحية، ويُتابع في إحدى المرات كانت المياه مائلة إلى اللون البني، ورائحتها جدًا كريهة ما اضطرني إلى تفريغها سدى دون أي استفادة.
ويبلغ ثمن الكوب الواحد من المياه التي تُروج لها المحطات أنها صالحة للاستخدام قرابة (25-30) شيكل، وهو مبلغ ليس بالسهل على سكان القطاع توفيره على الأقل مرتين أسبوعيًا للحصول على المياه الجيدة.
فرصة عمل ذهبية
من جهته يرى الشاب، محمد الفقعاوي، وهو بائع متجول للمياه المُحلاه أن انتشار محطات التحلية ساهم في توفير فرصة عمل له ينوء بها بنفسه عن الحاجة والعوز، وقال :"ضيق الحال والبحث الدائم غير المجدي عن فرصة عمل اضطرني إلى اتخاذ بيع المياه العذبة مهنة ومصدر رزق"، وأضاف أنه يلجأ إلى شراء كوب مياه مُحلاة صباحًا من محطة تحلية مرخصة وموثوقة في مدينته ومن ثمَّ يبدأ ببيعها مجزئة لمن يريد من المواطنين، يصمت قليلًا ثم ما يلبث أن يؤكد على صعوبة المهنة ناهيك عن دخلها الزهيد، فهو لا يجني أكثر من 40 شيكل يوميًا نصفها تقريبًا تُشكل قيمة الكوب الذي يشتريه من محطة التحلية والنصف الآخر يكون هامش ربح له يُمكنه خلاله تدبير أمور أسرته كبيرة العدد محدودة الإمكانيات.
رقابة محدودة
وعلى الرغم من تأكيد د. منذر سالم، مدير عام التخطيط في سلطة المياه بقطاع غزة بوجود رقابة على محطات التحلية المنتشرة في مختلف المناطق بالقطاع ومتابعتها لكل شركة ومحطة جديدة، إلا أنه يُقر بأن الإمكانيات المتاحة لدى الوزارة ضعيفة ولا تُمكنهم من متابعة عمل المحطات بالشكل المطلوب الذي يُنهي وجود أي تلاعب في المواصفات والمقايس، وأضاف :"أن أي خط يُكتشف لدى المحطات يُعرضها للمساءلة القانونية وسحب الترخيص".
ونبّه سالم إلى أن عدم كفاءة شبكات المياه العامة وارتفاع نسبة الملوحة فيها، ناهيك عن ضعف البنية التحتية الخاصة بالمياه أثر سلبًا على مدى موافقة مياه القطاع للمواصفات – وفقًا لتقارير دولية-، كما دفع العديد من المواطنين إلى الاعتماد على محطات التحلية خاصة في ظل انتشارها بشكل كثيف كـمشاريع تجارية خاصة.
ويبلغ عدد محطات التحلية المرخصة لدى الوزارة قرابة (158) محطة تخضع للرقابة بواقع ثلاث زيارات مفاجئة سنويًا، وهو ما يُعد ثغرة قوية يُمكن لأصحاب المحطات استغلالها في غش المياه العذبة المُباعة للمواطنين، بينما يفوق عدد المحطات غير المرخصة هذا العدد بكثير، ووفقًا لدراسات مختلفة فإن سلبيات المياه المحلاة تنحصر في ارتفاع معدلات التلوث البكتريولوجي إلى مستويات أعلى من توصيات منظمة الصحة العالمية، وعدم الالتزام بالكلورة بالإضافة إلى انخفاض نسبة الأملاح وبعض العناصر الضرورية للإنسان.