الحدث: نحن الذين لا يحترمنا أحد، ولا أحد يسألنا عن شكل الحياة التي نحب، لسنا خائفين ولا متمسكّين إلى هذا الحدّ المهين بحياتنا كما يصوّرنا الرئيس محمود عباس، كما أننا لسنا نعاجاً تُذبحُ قرابينَ عند أقدامِ الإعلام العربي كما تريدنا حماس.
كانَ اجتماعاً مُهيناً في الدوحة لا يُشبهنا، كانَ الرئيس مُرتبكاً وضعيفاً وحماس لئيمة ومستفزة، انتهى الاجتماعُ عند طريقٍ مسدودةٍ وبثقةٍ معدومة بين طرفين يفترض أنهما شريكان في قيادة مصير الشعب الذي يدفن أبناءَه في هذه اللحظات، "الشعب الفلسطيني العظيم": الجملة التي لم نسمعها منذ رحل ياسر عرفات، فقد كان عرفات يعرفنا، كان يُشبهنا ويحبنا ويثق بنا، لذلك صنع منّا أسطورة وجعلناهُ رمزاً لها.
لم يتطرّق القادةُ إلى خيار الشعب، إلى حلّ الخلاف عن طريق استفتاء شعبي مثلاً أو انتخابات، وكان أسهل على أبو مازن أن يحلّ السلطة ويهدم منجزه "التاريخي" من العودة لموقفنا، كما استسهلت حماس أن تقود انقلابا عسكرياً، حتى ولو كلّف دماً كثيراً على أن ترجعَ للشعب، إنهم يخافون منا.
نحنُ أجملُ من هذين الخطابين المهينين، لكنّ أحداً لا يصوّرنا كاملين، حتى كدنا نصدّق أننا أقدامنا التي صوّروها، وكدنا نرى دمنا صبغة حمراء خاليةً من الأحلام أو من الكرامة، لا يخاطبوننا بقدرنا، مع أننا نُبدع ونُذبح، نكتبُ ونُسجن، نزرعُ ونجوع، نتبرّعُ ونُسرق، نتّسع ويضيّقُ علينا.
نعلمُ أننا تحت احتلالٍ يريدُ إبادتنا، فاخترعنا الفلسفات للموت وروّضنا ذلك الكائن البشع، قدّرنا اللحظة كأنها العمر كلّه، وقلنا: نحترم أعمارنا ونحلم أكثر.
لكنّنا لسنا قرباً من الدماء تفجرها اسرائيل كلّ انتخابات، ولدينا أشياء كثيرة نفعلها قبل أن نموت، لدينا غير دمنا أيادٍ ماهرة، قلوبٌ حالمة، عقولٌ ناصعة، وعلينا واجبات للبلاد التي نحبها، وحقوق من الحب والاحترام ينساها الذين لا يتواضعون أمام عيون صغارنا، ولا ينحنون أمام دمنا، هم الذين لا يُشبهوننا.