الحدث - بيروت
كتب الناقد والصحفي اللبناني، إلياس سحاب، في صحيفة السفير اليوم، مقالاً حول الإهمال العربي لفلسطين، وكيف أن العام الماضي رغم النجاحات التي تم تحقيقها فلسطينياً على صعيد التقدم لمحكمة الجنايات الدولية، الا انه في المقابل شهد أيضاً حالة من الإهمال العربي للقضية الفلسطينية.
إلى نص المقال:
إن العام الماضي شهد ذروة التهديدات التي اطلقها رئيس السلطة الفلسطينية بتحويل جرائم اسرائيل ضد شعب فلسطين الى المحاسبة الدولية، استناداً الى سلطات محكمة العدل الدولية وغيرها من المنظمات، فقد شهد أيضاً ذروة من حالة الاهمال حتى النسيان، عربياً ودولياً، وكأن القضية قد حلت نهائياً.
لقد انقضت في هذا العام سبع وستون سنة على الجريمة الأصلية التي ارتُكبت بحق فلسطين وشعبها، فوراً بعد انتهاء الانتداب البريطاني عليها، بل تتويجاً لثلاثة عقود من الانتداب عليها. علماً ان الوثائق التي ابتدعت اسماً جديداً للاستعمار، هو الانتداب، وبررت ذلك بأن الدول الكبرى التي تقاسمت حصصها من دول المنطقة العربية، إنما فعلت ذلك بتوكيل من المجتمع الدولي، لمساعدة هذه الدول العربية وشعوبها على تقرير مصيرها في نهاية فترة هذا الانتداب. حتى ان المجتمع الدولي لجأ لتغطية هذه البدعة التي ابتكرها المنتصرون في الحرب العالمية الاولى لتقاسم مغانم الانتصار النهائي، إلى تأسيس «لجنة كنغ-كرين» يومها، لاستطلاع رغبة اهل فلسطين في اختيار الدولة التي يفضلون أن يوضعوا تحت انتدابها، تحضيراً لهم لمرحلة تقرير المصير في نهاية فترة الانتداب. يومها، أدت استطلاعات هذه اللجنة الى ان شعب فلسطين قد فضل ان تتولى الانتداب عليه دولة الولايات المتحدة الأميركية، كونها بعيدة عن المطامع الاستعمارية (في تلك الحقبة التاريخية المبكرة) لدول مثل فرنسا وبريطانيا. لكن «وثيقة بلفور»، وزير الخارجية البريطانية، التي وعدت الحركة الصهيونية بالمساعدة على انشاء وطن قومي لليهود في أرض فلسطين العربية، قد حلت محل دراسات وتقارير «لجنة كنغ- كرين»، وغيرت بذلك منذ البداية هدف الانتداب بمساعدة شعب فلسطين على تقرير مصيره، بهدف مناقض تماماً، يقضي سلفاً بتحويل مصير هذه الارض الى ان تكون وطناً قومياً لليهود، تماشياً مع أهداف ومشاريع الحركة الصهيونية، مع ان عدد المهاجرين اليهود في فلسطين كان يمثل في تلك الايام نسبة لا تُذكر من تعداد سكان فلسطين.
ولم يكتف المجتمع الدولي يومها بحرمان شعب فلسطين نهائيا من تقرير مصيره، بل شاءت الظروف الدولية أن تتكامل عملية الحرمان هذه التي ابرمها الانتداب البريطاني، بحركة تطهير عنصري موثقة أدق توثيق في كتاب المؤرخ اليهودي إيلان بابيه، كما في سجلات وزارة الخارجية البريطانية، لطرد غالبية هذا الشعب خارج ارضه.
هذه هي باختصار شديد تفاصيل الجريمة الأصلية التي ارتكبت في العام 1948، والتي بدت في العام 2015 في ذروة الاهمال حتى النسيان، ليس من قبل المجتمع الدولي فقط، بل من قبل الانظمة الرسمية العربية.
لقد شهد العام 2015 اكتمال دخول اربع دول عربية في اطار حرمان شعوبها من تقرير مصيرها، بتعريضها لخطط دولية واقليمية لتفتيتها وتفكيك وحدتها، هي سوريا والعراق واليمن وليبيا.
اما الدولة العربية الخامسة، فلسطين، فانها شهدت في هذا العام خلاصة الاهمال الدولي والعربي لمصيرها ومصير شعبها، والاقبال على تطبيع العلاقات مع كيان الاحتلال، حتى وهو يستكمل انكار حق العودة على من شُرّد منذ سبعة وستين عاما، وحق تقرير المصير لمن بقي من شعب فلسطين على ارضه التاريخية، مع جهد دؤوب لتهويد ما تبقى من ارض فلسطين المحتلة بالمستوطنات.
لكن هذا العام شهد ايضاً انتفاضة شاملة، ترفض كل محاولات الحلول الناقصة والمجهضة، وتستعيد فكرة حق تقرير المصير مع حق العودة، تخطياً حتى لمرحلة التنظيمات الفلسطينية المسلحة، التي انهاها الانخراط الكامل في السلطة إثر اتفاقيات أوسلو منذ عشرين سنة ونيف.
لا يهم الاسم المتفق عليه لهذا الحراك، هل هو «هبّة» أم «انتفاضة». إنه قبل كل شيء تحرك للتمرد على اهمال قضيته، ومحاولات الطمس الكامل للجريمة الاصلية، التي لن يهدأ شعب فلسطين قبل وضع حد نهائي وجذري لها.