الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

ضخامة حجم التحويلات المالية غير المشروعة على مستوى العالم/ بقلم: معين محمد رجب

في ظل غياب الشفافية والمساءلة

2016-01-14 01:03:10 PM
ضخامة حجم التحويلات المالية غير المشروعة على مستوى العالم/ بقلم:  معين محمد رجب

 

   كثيرة هي المشكلات الاقتصادية التي تواجه مختلف بلدان العالم خاصة النامية منها باعتبار أن عددا كبيرا منها يعاني من التخلف عن ركب التقدم الحضاري، مع ضعف في النمو الاقتصادي والاجتماعي، وارتفاعا في مستويات البؤس والفقر مع تزايد معدلات البطالة ونقص حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية العامة والخاصة على حد سواء.

   هنالك أيضا الارتفاع الحاد في المديونية العامة الداخلية والخارجية وتفاقم التبعات الناشئة عنها مع العجز الكبير والمزمن في موازينها العامة بجانب محدودية الطاقة التصديرية وضآلة القدرة التنافسية في الأسواق الأجنبية مما يعني العجز الكبير في موازنتها التجارية، وينعكس كل ذلك على مستويات التعليم والصحة العامة والاحتياجات الأساس من مقومات الحياة الضرورية خاصة بين الأطفال.    ألا أن هناك مشكلة أخرى لا تقل خطورة عما سبق، وقد أخذت تطفو على السطح بقوة في السنوات الأخيرة، إلا وهي مشكلة التحويلات المالية غير المشروعة إلى خارج أوطانها، مع تسارع وتيرة زيادتها من عام لآخر، دون أن تجد ما يتصدى لها أو يحد من تناميها أو يعاقب مرتكبيها.

فاستنادا إلى تقرير منظمة النزاهة المالية الذي نشرت بعض مقتطفاته في صحيفة القدس السبت 12/12/2015 فإن هناك نحو 7.8 تريليون$ قد جرى انتقالها بطريقة غير شرعية إلى خارج البلدان النامية وذلك عبر السنوات العشر (2004 – 2013) فقط أي بمتوسط قدره 780 بليون$ سنويا علما بأن السنوات القليلة الماضية شهدت زيادة في خروج هذه الأموال بحيث تجاوز حجم الأموال الخارجية التريليون دولار خلال عام 2013.

          وإذا كان الحديث يتعلق بتحويلات مالية غير مشروعة فيعني ذلك أنها لم تتم عبر القنوات الرسمية وأهمها البنوك الوطنية، ومن ثم انتقلت إلى بنوك أو مجالات استثمارية أجنبية فتكون أقطار البلدان التي خرجت منها هذه الأموال قد حرمت من الاستفادة المباشرة من توظيفها ، كما نشأ عنها أضرار بليغة في صورة زيادة ثروات الأثرياء بغير وجه حق وزيادة فقر الفقراء واتساع فجوة الدخول بين طبقات المجتمع، وحرمان الحكومات الوطنية من الضرائب والرسوم المستحقة على مثل هذه المعاملات. وإذا قدرنا أن الأموال المشار إليها يستحق عليها ضرائب أو رسوم بمعدل 10% على سبيل المثال لأدركنا حجم الأموال العامة المهدرة.

        أما مصدر اكتساب هذه الأموال فهي ناشئة بدهيا عن أنشطة غير مشروعة استنادا إلى التشريعات المعمول بها في كل بلد على حدة، كتجارة المخدرات التي يتحقق عنها مكاسب عالية لمن يزاولها وتهريب السلع ذات الرسوم الجمركية العالية إلى داخل البلاد كالسجاير والمشروبات الروحية وتجارة السلاح وهناك أيضا إخفاء حقيقة ما تحققه الأنشطة الإنتاجية من أرباح ومكاسب للعاملين بها.

إن هذه الظاهرة الواسعة الانتشار تتم رغم صدور العديد من التشريعات في مختلف بلدان العالم وهي تشريعات تتعلق بصيانة المال العام والحفاظ عليه وتجريم حالات الفساد والاختلاس إضافة إلى تشريعات تنظم أعمال المصارف وحركة تنقل الأموال وتوفير الشفافية الكافية بالنسبة لمعاملات عملاء البنوك والمتعاملين معهم.

وفيما يتعلق بفلسطين فكانت تشريعاتها مواكبة لمتطلبات الشفافية في الأداء سواء على مستوى الجهاز المصرفي أو على المستوى الحكومي فهناك قرار بقانون مكافحة غسل الأموال رقم 9 لسنة 2007 بهدف تجنيب القطاع المصرفي بشكل خاص والاقتصاد الفلسطيني بشكل عام الآثار السلبية لغسيل الأموال، وهناك هيئة حكومية لمكافحة الفساد، وهناك جهاز الرقابة الإدارية العامة إضافة إلى مؤسسات أخرى غير ربحية كإئتلاف أمان ومعهد الحوكمة الفلسطيني، وغير ذلك من الجهات المهتمة بتحقيق الشفافية والمساءلة في مختلف المعاملات وهي في مجموعها تملك متطلبات القيام بواجباتها على النحو الأكمل.

وإذا كانت الكثير من بلدان العالم تفتقد إلى الاحتياطات النقدية الأجنبية لدى مصارفها المركزية وتلجأ إلى خفض أسعار صرف عملاتها الوطنية مقابل النقد الأجنبي، فإنها في الوقت نفسه تواجه ظاهرة هروب الأموال إلى الخارج سواء من بين المقيمين أو من بين المغتربين الأمر الذي يطرح العديد من الأسئلة حول جدوى التشريعات المنظمة لحركة تداول وانتقال الأموال ومصادر الحصول عليها واستحقاقات الدوائر الضريبية والجمركية لدى المتهربين منها، ومدى فاعلية الأجهزة الرقابية التي من مسئولياتها كشف النقاب عن هذه الظواهر واتخاذ الإجراءات القانونية بشأنها.

 أما عن أكثر الدول التي تنتشر بينها ظاهرة هروب الأموال للخارج بطريقة غير مشروعة فيستعرضها التقرير سالف الذكر حيث شمل بعضها بلدانا ذات أنظمة صارمة في مجال الالتزام بالانضباط في أوجه الحياة المختلفة خاصة فيما يتعلق بالمعاملات المالية والمصرفية مع تطبيق عقوبات مشددة في حالة المخالفات المالية والاعتداء على المال العام .

إلا أن ذلك لم يكن كافيا في الحد من انتشار هذه الظاهرة أو التخفيف من وطأتها أو منع حدوثها، وفي طليعة هذه الدول جمهورية الصين التي تنتشر لديها ظاهرة خروج الأموال بطريقة غير مشروعة وقد جاءت على رأس قائمة تضم عشرين بلدا جرى ترتيبها استنادا إلى أعلى الدول التي تنتشر لديها هذه الظاهرة بحيث شملت بلدانا من مختلف قارات العالم، وفي آسيا وأوروبا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وغيرها. وكانت العراق هي الدولة العربية الوحيدة ضمن قائمة العشرين المشار إليها.   وبلغت حصيلة الأموال التي خرجت منها نحو 105 مليار$.

كما أوضح التقرير أن الشركات متعددة الجنسية تعتبر ذات وزن كبير في مجال انتقال الأموال غير المشروعة بحكم ما تتمتع به تشكيلاتها القانونية من قدرات على إخفاء حقيقة أنشطتها المالية ودرجة الشفافية في الإعلان عن قوائمها المالية وحقيقة أرباحها وامتيازات العاملين بها.

وبغض النظر عن دقة الأرقام والبيانات التي أوردها التقرير ففي اعتقادنا أن هذا الجهد يستحق الوقوف عنده بالقدر الكاف، وأن على الأجهزة المعنية بمكافحة حالات الفساد في مختلف بلدان العالم بما فيها دولة فلسطين قراءة هذا التقرير والتدقيق فيه بإمعان كاف، والوقوف على ما به من بيانات وتحليلات، وما تضمنه من توصيات للوصول إلى أية استنتاجات أو خلاصات تخدم أغراض تطبيق معايير الشفافية والمحاسبة وضبط إيقاعاتها والتعرف على أوجه وجوانب الضعف في الأنظمة والتشريعات المعمول بها لأغراض الحد من الانتشار المستمر لهذه الظاهرة وسعيا للحد من الآثار الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة الناشئة عن استمرارها.