شرب الشاي طقس أصيل من طقوس المزارعين الفلسطينيين ، في مواسم الزراعة كما الحصاد تخرج العائلة بأكملها للحقل حين تقترب عقارب الساعة من العاشرة صباحا تجتمع العائلة يوقودن بعض الحطب يعدون الشاي الألذ على الاطلاق ، ويسخنون ما أحضروه معهم من خبز فتملأ رائحته المكان ، ومن خيراتهم يأكلون، الزيت والزيتون و الزعتر أطباق لا تغيب عن المائدة. كل هذه المشاهد تداعت لذهني حين رأيت ابريق شاي عتيق أكله الصدأ أخرجته احدى الجرافات من الارض
كانت الساعة الثامنة صباحا في يوم شديد الحرارة ، يختنق بالرطوبة من أيام أغسطس، حين وصلنا الى شرق القرارة في المنطقة الحدودية بين غزة واسرائيل.
سحابة من الغبار غطت الجرافات العشر التي بدأت العمل منذ الصباح الباكر ، هنا اذن بدأت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عملها على تسوية هذه الأراضي التي لم تطأها قدم منذ أكثر من عشر سنوات. يأتي هذا العمل كامتداد لمشاريع كثيرة تهدف الى تقديم ولو مساعدة بسيطة لفئة من الفئات الأكثر تأثرا بالنزاع القائم منذ عقود في هذه البقعة الصغيرة من العالم لتتمكن من بناء حياتها والبدء من جديد.
قد يبدو الأمر عاديا لأي قارئ في أي من بلدان العالم ، الحال ليس كذلك مع غزة المكتظة بالسكان كل شبر من الأرض يعني الكثير، أحد المزارعين قال : "ابني البالغ من العمر 15 عشر عاما لا يعرف شكل أرض والده، تلك التي اعتدت العمل فيها مع والدي. بعد اليوم سيعرف ابني معنى الأرض وخيراتها، اليوم بدأت أفكر أن أحفادي سيستمرون في زراعة أرض أجدادهم".
صيد وفير تأتي لصقر هوى من السماء وطار حاملا فرخ ثعبان في مشهد أذهل الواقفين ، هناك ترى تفاصيل قد لا يلتفت اليها الكثيرون.
كان لا بد من عودة في ديسمبر بعد أن أنهينا اعادة تأهيل 250 هكتارا من الأراضي في المنطقة التي تقع على بعد 100 – 300 متر من السلك الفاصل ، العودة كانت هذه المرة لحراثة الأرض وبذر القمح ، انتهت الفرق من كافة المناطق التي عملت فيها في شرق 6 بلدات من الفطاع وبما وصل الى 300 هكتارا مملوكة لثلاثمائة واثنين وعشرين عائلة ، في اليوم الأخير من البذر انتظرنا عدة أيام الى ان تخف حدة الأمطار هنا اكتسب المزارع الفلسطيني خبرته مع الممارسة ويستطيع تقدير الوقت المناسب لبذوره بكفاءة مهندس زراعي محنك. فقط بمساعدة متواضعة أثبت الفلاح في هذه المنطقة قدرته على البدء مرة تلو الأخرى.
ليمتلئ ابريق الشاي من جديد بشاي أحمر ينعش القلب ويدفئه في هذا الشتاء البارد بعد يوم من العمل الشاق.