الحدث - علا عطالله /غزّة
مع أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، انتهت بعد أن استمرت لـ51 يوما، إلا أن طائرات الاستطلاع الإسرائيلية التي يسميها الغزيون "الزنانة"، لم تغادر سماء القطاع، واستمرت في التحليق وبشكل مكثف ومنخفض.
لم يتسبب التحليق المكثف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية في سماء قطاع غزة، وارتفاع أزيزها بصداع أرهق جسد الشاب العشريني "محمد صالح"، وأبقاه مستيقظا رهين "المسكنات" والأدوية المخففة للألم فقط، بل شكلّ "صوتها" بالنسبة له هاجسا وخوفا من عدوان إسرائيلي جديد.
يقول محمد: "بعيدا عن الإزعاج الذي تُسببه، والصداع الذي يؤلم رؤوسنا، بسبب صوتها المرتفع، والمزعج، إلا أن وجودها في سماء قطاع غزة، يشكل بالنسبة لنا هاجسا، وخوفا من تكرار العدوان البشع".
ومع تغطية هذه الطائرات الحربية السماء، فإن خفقات التوتر في قلب "نهى السيد" (38 عاما)، تزداد ساعة بعد أخرى.
تقول نهى، وهي ربة منزل وأم لخمسة أطفال، إنّ هذه الطائرات التي تحلق في سماء القطاع، بشكل لافت، ومنخفض تثير المخاوف لديّها بإمكانية اندلاع عدوان جديد.
وتتابع: "لا أدري، لماذا لم تغادر سماء القطاع، وقد انتهى العدوان، وجودها يقلقنا نفسيا، ويصيبنا بالتوتر، واستمرار تحلقيها يجعلنا نفقد أعصابنا".
وهذه الطائرات "بدون طيار" من مهمتها الاستطلاع ومد جيش الإحتلال، بمعلومات لتحديد أماكن القصف للطائرات الحربيّة.
وطائرات الاستطلاع، ليس من مهامها الرصد، فقط، فهي شاركت خلال العدوان في تنفيذ عمليات اغتيال للفلسطينيين.
ويصف المقاومون في قطاع غزة هذه الطائرات بـ "الجاسوس الطائر"، إذ بمقدورها المكوث في الجو 24 ساعة متواصلة.
ويولد التحليق المكثف لطائرات الاستطلاع شعـور الخوف من عدوان جديدة قادمة، كما يؤكد الخمسيني "سعد البردويل"، فصوتها يلغي أي شعور بالأمان، ويتابع: "الحرب انتهت؟ فلماذا تحلق هذه بكثافة، بالتأكيد هناك رصد جديد لحرب أخرى، هذه طائرات لا تحمل سوى الموت والخوف".
ويحمل تحليق طائرات الاستطلاع في سماء قطاع غزة، رسائل أمنية ونفسية كما يرى عدنان أبو عامر، الخبير في الشأن الإسرائيلي، ويقول، إن الإحتلال، يريد إيصال رسالة قوية من خلال هذه الطائرات، بأنّ هذه المساحة الصغيرة ستبقى خاضعة للسيطرة الإسرائيلية، حتى بعد أن تنتهي أي معركة أو عدوان.
وتابع: "حتى بعد انتهاء الحرب، إسرائيل تريد القول لفصائل المقاومة، أنها هنا، وترصد كل صغيرة، وكبيرة، وأنه في حال التفكير بالعودة إلى جولة جديدة من المعارك فإنها جاهزة".
وأضاف أبو عامر، أن هذه الطائرات تقوم بتحديث البيانات، وتجديد "بنك الأهداف بالنسبة للإحتلال"، لاستخدامه في أغراض أمنية استخباراتية.
ووفق أبو عامر، فإن إزعاج هذه الطائرات، وتحليقها المستمر، أمام الرغبة الملحة لسكان قطاع غزة، بالهدوء يضغط على صناع القرار، وفصائل المقاومة بتثبيت حالة الهدوء، وعدم العودة إلى الحرب.
وتوصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، إلى هدنة طويلة الأمد، برعاية مصرية، وهي الهدنة التي اعتبرتها فصائل المقاومة الفلسطينية في بيانات منفصلة "انتصار"، وأنها "حققت معظم مطالب المعركة مع الإحتلال"، ورحبت بها أطراف دولية وإقليمية.
وجاءت هذه الهدنة، بعد عدوان شنه الاحتلال على قطاع غزة في السابع من الشهر الماضي، واستمرت 51 يوماً، أسفرت عن مقتل 2145 فلسطينياً، وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، فضلاً عن تدمير الآلاف من المنازل، بحسب إحصاءات فلسطينية رسمية.
وتعد طائرات الاستطلاع بدون طيار "غرفة عمليات كاملة"، فهي مزودة بأحدث أجهزة التجسس تقدمًا ويستخدمها الإحتلال لتصوير المناطق الجبلية والنائية والمدن والقرى.
وتبث صورها بشكل مباشر لأجهزة المخابرات الإسرائيلية عبر أجهزة رؤية ليلية وأجهزة استشعار حراري وأجهزة التقاط موجات الهواتف الجوالة.
وشهدت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية تطورًا لافتًا، فبعد أن كان دورها مقتصرًا على التجسس والمراقبة، وصلت لأحدث مرحلة وهي القدرة على البحث عن الهدف المطلوب وتوجيه الصواريخ إلكترونيًّا إليه باستخدام أشعة الليزر، مع إبقاء القرار للقاعدة الأرضية التي يتم المراقبة من خلالها في إصدار الأمر لضرب الهدف الذي تم رصده.
وتعتبر الفصائل الفلسطينية في غزة طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار عدوها الأول؛ إذ تسببت في استهداف قادتها والعشرات من عناصرها من خلال قصف سياراتهم أو مواقعهم، مثل اغتيال الشهيد أحمد الجعبري، نائب قائد "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، نوفمبر/تشرين 2012.
يستخدم الإحتلال أنواعًا متعددة من طائرات الاستطلاع، أحدها هو "سيرتشر"، وبدأ استخدام هذه الطائرات في تنفيذ عمليات الاغتيال في النصف الثاني من عام 2004، بعد أن كانت إسرائيل تعتمد بشكل أساسي على المروحيات العسكرية من طراز "أباتشي"، أمريكية الصنع، في تنفيذ عمليات التصفية.
وبحسب تصريحات إعلامية للمصادر العسكرية الإسرائيلية، فإن هذه الطائرات تنطلق من قاعدة لسلاح الجو تقع إلى الجنوب من مدينة تل أبيب، حيث يشرف على عمل هذه الطائرات ضابط في سلاح الجو برتبة عقيد.
وترتبط هذه القاعدة مباشرة بهيئة أركان الجيش وقيادة جهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، وهو الجهاز المسئول عن ترشيح أهداف فلسطينية للتصفية الجسدية.
وتحمل صواريخ هذه الطائرات شظايا خطيرة تبتر الأطراف وتشوه الجسد ولا تكتفي فقط باستهداف ضحيتها.
وبحسب تقارير إعلامية، فقد أصبحت إسرائيل من الدول المصدرة لهذا النوع من الطائرات، حيث طلبت منها الولايات المتحدة تجهيز 300 طائرة استطلاع قبل غزو العراق في مارس/ آذار 2003.
وتُشكل هذه الطائرات مصدر إزعاج من نوع آخر لسكان قطاع غزة، حيث تشوش على المحطات الفضائية الملتقطة عبر الأقمار الصناعية الرقمية وتحرمهم من متابعة الأخبـار وآخر المستجدات.
ويقول موقع فلسطيني مختص بالشؤون الأمنية، ومقرّب من حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن طائرات الاستطلاع ، تسعى إلى جمع معلومات يفتقر إليها الجيش الإسرائيلي.
وذكر موقع "المجد الأمني"، (المعروف بتبعيته لحركة حماس)، نقلا عن مصدر أمني لم يكشف عن هويته، أنّ في قطاع غزة، حلقات مفقودة تحاول إسرائيل الوصول إلى طرف خيط بخصوصها.
ومن بينها وفق المصدر، البحث عن الجنود الإسرائيليين المفقودين في قطاع، غزة، وإمكانية التوصل إلى معلومات حولهم.
المصدر: وكالة الإناضول