الجمعة  22 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

مَلَلْ بقلم: عبد السلام عطاري

2014-09-03 10:59:06 AM
مَلَلْ
بقلم: عبد السلام عطاري
صورة ارشيفية

 الحدث: مَلَلْتُ المصطلحات التي كبُرت عليها منذ صغري وأنا أسمع حوارات عن السياسية ولا شيء غيرها،  حتى وإن كان الحوار عن مواسم البذار أو الحَصاد (تحت التوتة) العجوز، أو جلسات ما قبل سرحات قطعان المواشي التي كانت ترن أجراسها بعد جرس المدرسة بقليل، مللت طفولة لم أكتشف معناها أنه من حقِ الطفل أن لا (يدسّوا) برأسهِ ( خراريف) لا علاقة لها (بطابة الشرايط) أو باص (الحبال) ، أو حصان غصن اللوز الذي قطعه جارنا ورماه على (سنسلة) حاكورته، مللت كل المصطلحات في عمرٍ اكتشفت أني أحتاج للطفل الذي نسيته، للطفل الذي لم يتركوا له ساحة البيدر لِلَعِبِ ( السبع حجارة) أو حفر موانيء وهمية على بحرٍ وهميٍ طالما سمع عنه من سائقِ الشاحنة الذي كان يذهب إلى هناك كثيرًا ويُحضر املاحًا وقمحًا وطحينًا، مللت عمري الذي قفز عن تلكَ الأيامِ، مللت مُصطَلح أرقام ( 242 و338)، مللت (194) وحق اللاجئين بالعودة (و/أو) التعويض واختلافهم على الحرفين، وانتظار المخيّم لتنفيذه، مللت حكاية حرب الـ 73 تحريكية أم تحريرية، مللت حوارات اليمين واليسار، مللت خطاب (الدياليكتكي) المُنَمق ومَعجم المصطلحات التفكيكية، مللت الأيدلوجيات الحمراء والصفراء والخضراء، مللت صور جيفارا الأممي على قمصان الصبايا والشباب ولا يعرفون حكايته، مللت صور ذاكرة ارشيف الفضائيات المُحزنة، وأن عبد الناصر كان رمزًا قوميًا، وأن (بورقيبة) أزعجهم (بصراحته) عندما قال لهم الحقيقة قبل العام 1967، مللت خطابات الوهم التي أحتلت رأسي ولم تحرر شبرًا من أرضٍ أو أراضٍ محتلة، مللت مصطلح حدود 67 و48 مللت حل الدولتين، أو الدولة الواحدة، مللت مصطلح زوال الاستيطان أو وقفه أو تجميده أو تجميده لسنوات أو لأقل من ذلك بكثيرٍ كثير، مللت المظاهرت التي كانت تعم الشوارع وكانت تحررنا من حصص المدرسة المتأخرة أو ما كانت تعطينا به من مساحة لاستعراض قوة حناجرنا بالهتاف، مللت سياق التاريخ كل التاريخ، مللت نشرات الأخبار وتقلعية الخبر العاجل، وآخر خبر والمحلل والمعتقد والمراسل والمتحدث الرسمي والمصدر المسؤول والمأذون، مللت الحصول على وثائق محادثات الزعماء السرية التي لا تختلف عن (حَكْيات) جدّي وجارنا الذي أصيب بصمم الوعود قبل الشيخوخة ولم يقدر بعد على سماع صوت بائع الحلقوم الذي يحبّ، مللت الخط الأحمر والأخضر والأزرق، مللت طوابير انتظار المعابر والمطارات والتدقيق والتمحيص والتحقيق باختلاف تجاعيد الوجه أو لون الشارب والشعر الذي تجاوز العمر المقرر في خانة وثيقة السفر القديمة، مللت حكاية اختيار رئيس لقطر عربي ما زالوا يختلفوا على طوله وعرضه ولون شعره وعينيه، مللت ارقام الأشهر واصطفافاتها السياسية، مللت آذار أيضًا، مللت الفصول التي تبادلت درجات الحرارة فيما بينها، فلا نيسان يعطي اكتمال النوار لأيار، ولا أيار يمنح الصيف رمانة تأخر طلعها على سياج قهرِ حزيران، مللت ذِكر الملل، ولكن لن أملّ من أمل أزرعه في قلب أطفال اليوم، حتى يزهر في الغدِ حكاية الأمس بدون ملل.