الحدث- القدس
ثلاثة أحداث مهمة جدا وقعت مؤخرا في سياق صراع الجبابرة الشيعي – السُني الجاري في منطقة شرق العالم العربي، المجال بين تركيا في الشمال، السعودية في الجنوب وإيران في الشرق.
الحدث الأهم هو رفع العقوبات عن إيران. في عملية بدأت مع التوقيع على الاتفاق النووي تعود إيران إلى الساحة العالمية وهي حاصلة على ختم الشرعية الاميركية كقوة عظمى اقليمية. لقد فهم المثقفون الإيرانيون ذلك بعد التوقيع على الاتفاق الانتقالي بين إيران والقوى العظمى (تشرين الثاني 2013) وشرحوا هذا في مؤتمرات في أرجاء العالم، كحق واضح لإيران بسبب أهميتها، قوتها، تاريخها وانجازاتها في المنطقة بشكل عام وفي المفاوضات بشكل خاص.
لا شك أن هذا الإحساس بالقوة والشرعية الدولية تعزز جدا في إيران بعد الاتفاق النهائي ورفع العقوبات هذا الاسبوع. والمعنى هو أن إيران ستتعزز اقتصاديا وعسكريا من الآن فصاعدا، في ظل احترام الاتفاق، على الأقل إلى أن يتحسن اقتصادها بشكل حقيقي.
في أثناء هذه الفترة ستتصرف إيران كقوة عظمى اقليمية ومن لا يقبل مكانتها، سيتعين عليه أن يتصدى لقوتها المتصاعدة وقوة فروعها في المجال. الخطوة الأميركية المتمثلة بالاتفاق، وما ينطوي عليه بالنسبة لمكانة إيران تشكل مثابة دليل للسُنة على قرار اميركي بالوقوف في الجانب الشيعي من الصراع.
فضلا عن ذلك، يرى قادة الدول السُنية في ذلك أيضا منح رخصة اميركية، ضمنا إن لم يكن صراحة، لعمل إيراني اكثر عدوانية بشكل يشكل خطرا على العالم السُني، وعلى رأسه السعودية.
الحدث الثاني في أهميته كان رد السعوديين الذين أعدموا الواعظ الشيعي الذي كان معتقلا بعد المحاكمة (حكمه صدر قبل سنة ونصف)، لاطلاق اشارة واضحة للإيرانيين، وكذا لحلفاء السعودية في ارجاء العالم السني، بأنهم لن يتنازلوا عن الصراع ضد الشيعة الإيرانيين – وبالتأكيد ليس عندما تتعلق الامور بمحاولات إيران المس بوحدة اراضي السعودية من خلال تهييج الاقلية الشيعية في داخلها. يشبه هذا القرار من ناحية مبدئية قرار سعودي سابق باستخدام القوة في اليمن والقتال ضد من يعتبرهم السعوديون فروع إيران، الحوثيين.
لا شك ان السعودية تغير سلوكها تحت قيادة الملك الجديد. هذا يعني ان السعودية مستعدة لان تأخذ المخاطر وان تدفع اثمان لم تكن في الماضي مستعدة لها. في هذه الحالة ثمن قطع العلاقات مع إيران، الذي تقرر في السعودية بعد إحراق المتظاهرين الإيرانيين للسفارة السعودية في طهران احتجاجا على اعدام ذاك الواعظ الشيعي.
دول سُنية اخرى انضمت إلى الخطوة وقطعت علاقاتها مع إيران (الكويت، قطر، البحرين، السودان)، اما مصر، التي تتلقى اليوم مساعدة اقتصادية واسعة من السعودية، فلم تفعل ذلك. اما السودان بالذات، والتي كانت في الماضي مرتبطة بإيران، فقد قطعت علاقاتها معها تماما. يضع السعوديون تحديا سنيا للجهد الشيعي الذي يتواصل منذ نحو 35 سنة، دون ان ينجح السُنة حتى الآن في وضع حاجز حقيقي في وجههم. النتائج واضحة في العراق وفي لبنان وتقبع في اساس الحرب المستمرة في سورية والصراع في اليمن.
الحدث الثالث مر من تحت رادار معظم وسائل الاتصال في دولة إسرائيل. والحديث يدور عن بيان باكستاني صدر في اثناء زيارة وزير الدفاع وولي العهد السعودي. فقد صرح المضف الباكستاني بان الباكستان سترد بشدة على كل مس بالسعودية.
هذا التصريح هام للغاية لان هذه هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي لديها سلاح نووي. وارد التفكير بأن للباكستان التزاما خاصا بالسعودية في سياق السلاح النووي، لان السعودية مولت جزءا من استثمار الباكستانيين في تطوير وانتاج القنبلة.
وسواء كان هذا صحيحا أم لا، فان التهديد الباكستاني هو تطور مشوق. حتى الان اتخذ السلاح النووي في الباكستان صورة من يتبوأ دورا في سياق النزاع بين الهند والباكستان، وها هو يستخدم لأغراض التهديد في سياق الشرق الاوسط في النزاع بين القوة العظمى الشيعية وبين من ترغب في أن تتخذ صورة القوة العظمى السنية.
هذا تغيير حقيقي في التوازنات بين عناصر القوة في مجال الشرق الاوسط كله. فاذا انتقلت الباكستان من تصريح لمرة واحدة إلى عموم تدخل حقيقي في هذه الصراعات، فسيتغير ميزان القوى في المنطقة، ولكن حسب تجربة الماضي فانهم سيكونون حذرين جدا من أن يلتزموا بذلك.
ما هي تأثيرات النزاع المتعاظم؟ اولا، واضح جدا أنه سيكون صعبا جدا المعالجة المناسبة للحرب المستمرة في سورية. فهذه الحرب ليست فقط حرب اهلية بين اجزاء مختلفة من المجتمع السوري. هذه حرب بين الشيعة والسنة، فيما تقف إيران في جانب والسعودية ودول الخليج في جانب آخر (وبقدر ما تركيا ايضا).
حتى لو كان هناك نوع من التوافق السوري الداخلي على مسيرة ما (وهذا لا يبدو قريبا) فلن يكون أي تقارب بين إيران والسعودية، وعليه فان الحرب في سورية ستستمر. كما أن الإيرانيين سيبحثون عن البطن الطرية للسعودية، اغلب الظن عبر الشيعة الكثيرين المتواجدين في السعودية وفي قسم من دول الخليج، والسعوديون سيردون بقدر مستطاعهم لمعارضي الشيعة في ارجاء الشرق الاوسط.
ان نجاح السعوديين في كسب قلب السودان واخراجه من دائرة النفوذ الإيراني جدير بالاشارة وهام جدا (لإسرائيل ايضا، إذ ان السودان كان محطة هامة في سلسلة تهريب السلاح من إيران نحو قطاع غزة).
إن مجرد امكانية ان ينضم إلى هذا الصراع العنيد دولة نووية تبعث على اسئلة صعبة ومخاوف حول معنى التدهور المحتمل إذ صعب جدا السيطرة على صراعات لا نهاية لها ذات طابع ديني.
ان نقل اهتمام الباكستان نحو قلب الشرق الاوسط لا يشكل بشرى طيبة لمنطقة مركبة ومتنازعة على أي حال. فمثل هذا التحول الباكستاني، ان لم يكن حدثا لمرة واحدة للتعبير عن خدمة كلامية للصديق السعودية، يمكنه أن يعقد أكثر فأكثر الواقع الاقليمي ويظهر مع مرور الأيام كنقطة مؤثرة جدا على المنطقة. في هذه الاثناء لا يبدو هذا كنقطة انعطافة بل كحدث وحيد، حتى وان كان هاما بحد ذاته. ستكون حاجة للتأكيد كل الوقت بان ليس وجهة الباكستان لمثل هذا التدخل المباشر.
إن الدرس لإسرائيل من كل الأحداث الأخيرة يجب ان يكون قاطعا وواضحا: حذار على إسرائيل أن تتورط في صراع مركب وعميق بهذا القدر، في الصراع الديني بين الشيعة والسنة، وبين العرب وإيران في منطقة الخليج. على إسرائيل أن تحرص على مصالحها، بما في ذلك أخذ مخاطرة عقب استخدام القوة، ولكن مع الكثير من التفكير وبلا تطلعات كبرى وبدقة.