الحدث - وكالات
اصدر مركز أبحاث الأمن القومي "الإسرائيلي" تقريره الإستراتيجي لعام 2015-2016، بعد اجتماعات عُقدت على مدى اسبوع، تخللها مداخلات من كبار القادة الامنيين والعسكريين "الإسرائيليين"، بالإضافة الى خطابات شبه يومية من وزراء في الحكومة "الإسرائيلية".
يأتي التقرير لهذا العام بالتزامن مع تطورات مهمة حصلت في المنطقة، تعني "اسرائيل" بشكلٍ مباشر، كان اهمها بدء العمل بالإتفاق النووي الإيراني، الموقّع بين ايران والدول 5+1، وما رافق ذلك من تطوراتٍ في الساحة الميدانية السورية، وتنامي قدرات حزب الله العسكرية والأمنية، بالإضافة الى انطلاق شرارة "انتفاضة فلسطينية" في القدس والضفة الغربية، والتي توسعت لتطال مناطق في الداخل الفلسطيني، مع استعدادت عسكرية للمقاومة الفلسطينية في غزة، بوجه اي عمل عسكري "اسرائيلي" على غرار العدوان الأخير. بناءً عليه، تضمن تقرير مركز الامن القومي 11 توصية للسنوات الخمس المقبلة، انطلاقًا من تلك التطورات.
إنطلق التقرير من تشخيص حجم الأخطار الامنية والسياسية على "اسرائيل"، وقد تخلل الإجتماعات إرباك شديد على المستويين العسكري والسياسي في تحديد الأولويات التي يجب على "اسرائيل" التصدي لها، والسبب يعود لكثرة الاخطار التي تحاصر الكيان، بيد ان الملف الإيراني كان من اهم النقاط التي ركّز عليها التقرير، لتشعباته المؤثرة على المنطقة ككل، كون ايران تشكل الداعم الاساسي لحركات المقاومة في المنطقة، من لبنان الى سوريا والعراق، وصولًا الى فلسطين.
وفي هذا السياق، أوصى التقرير بما يخص ايران بأنّ "الموضوع الإيراني ربما زال عن جدول الأعمال اليومي الآني، لكنه يشكل تهديدًا وجوديًا محتملًا على "إسرائيل" ويجب عليها منع تسلح نظام متطرف ويدعو إلى تدميرها بسلاح نووي"، معتبرًا انه "على "إسرائيل" المبادرة إلى اتفاقات موازية مع الولايات المتحدة تسمح للحليفين بالتنسيق في الموضوع الإيراني".
وقد حدد التقرير أشكال التعامل "الإسرائيلي" مع الخطر الايراني في المنطقة، والطريقة "الإسرائيلية" التي تعتبرها الأنسب لإضعاف ايران. حيث أشار الى ان "الإمكانية الأساسية لإضعاف إيران هي في سوريا، فسوريا هي الممر الإيراني إلى العالم العربي، وعبرها تحافظ على الصلة وتقوي حزب الله ومجموعات فلسطينية متطرفة"، موضحًا أنّ "إضعاف نظام بشار الأسد وطرده هي مصلحة "إسرائيلية" واضحة، فقط هكذا تتضرر إيران وحزب الله"، مضيفًا انه "على "إسرائيل" إيجاد طريق لدعم خطوات في نهايتها لا يشكل نظام بشار الأسد جهة مسيطرة في سوريا".
وبالتزامن مع إصدار التوصيات، اعتبر وزير الدفاع "الاسرائيلي" موشيه يعلون، انه "لو خيروني بين ايران و"داعش" فسأختار "داعش""، ويكشف كلام يعلون بالدرجة الأولى حجم الأهمية التي توليها "اسرائيل" لخروج ايران من حصارها الاقتصادي والعسكري، لعلمها أنّ القدرات الإيرانية الجديدة والمتحررة من العقوبات ستكون موجهة بشكلٍ أساسي ضدها، وبالطبع بغض النظر عن أنّ تنظيم "داعش" ليس إلّا شماعة استعملها يعلون للمقارنة مع ايران، وهو أكثر العارفين أن لا خطورة يشكلها هذا التنظيم على أمن "اسرائيل"، إلّا أنّ تصريح يعلون يعطي انطباعًا عن تعامل "اسرائيل" في الملف السوري، لناحية دعم المجموعات الإرهابية ووضعها بوجه الدولة السورية وحزب الله، وبالتأكيد ايران.
الإتفاق النووي الإيراني لم يكن سلبيًا على "اسرائيل" فقط، بل كان لبعض الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، حصة كبيرة من المخاوف التي دفعتها الى قطع علاقاتها مع ايران، بغض النظر عن الإلتفافات الأخرى. وانطلاقًا من هنا، برز الى الواجهة الحلف المستتر بين "اسرائيل" والسعودية، لتكون التوصية المتعلقة بالعلاقات "الإسرائيلية" العربية البند الأبرز في الوثيقة التي اصدرها مركز الامن القومي "الإسرائيلي".
فقد اكدت الوثيقة على "ضرورة تعزيز العلاقات مع عدد من الدول العربية"، معتبرةً انه "في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران بقيت "إسرائيل" وحدها مقابل اتفاق إشكالي يمنحها الوقت"، منوهةً بالمصالح المتداخلة بين "تل أبيب" وما وصفته بـ"العالم السني البراغماتي"، والتي ذكرت منه مصر والأردن والسعودية.
أخذت "اسرائيل" على عاتقها قرار الحرب ضد ايران، بغض النظر عن الوقت والجبهات، محاولةً إظهار نفسها على انها غير آبهةٍ بالموقف الأميركي من ذلك، وقد خرجت تصاريح "اسرائيلية" عديدة تتهم الإدارة الاميركية بالخيانة، لقبولها برفع الحصار والعقوبات وتوقيعها الإتفاق النووي. تلك الخطوة ترجمها مركز الأمن القومي "الإسرائيلي" في توصيات عديدة تصب بأكملها ضد ايران وحلفائها، من حركات المقاومة في المنطقة، حيث أشارت التوصيات الى انه "على "إسرائيل" الاستعداد لمواجهة عسكرية شاملة مع حزب الله، والانتقال إلى خطوات مبادر بها ومستقلة على الساحة الفلسطينية"، بالإضافة الى تحضير جيش الاحتلال "الإسرائيلي" "لمواجهة إضافية مع غزة تأخذ بالحسبان عبر الجرف الصلب".
بالنسبة للساحة الفلسطينية، فإنّ "اسرائيل" وحسب ما جاء في التوصيات، تسعى الى قرارات أحادية الجانب، من دون اخذ المفاوضات بينها وبين الجانب الفلسطيني بعين الإعتبار، وهذا ما قصده التقرير بـ"خطوات مستقلة". وفي السياق نفسه، ستكون الحرب "الإسرائيلية" المقبلة على غزة لمحاولة كسر المقاومة فيها.
إلّا أنّ موضوع حزب الله مختلف جدًا لدى "اسرائيل"، وله حسابات كبيرة على الصعيد السياسي والعسكري، لذلك وصفها الامن القومي "الإسرائيلي" بالمواجهة الشاملة، لعلم "الإسرائيلي" ان تلك الحرب ما إن تندلع فإنّ تأثيرها سيكون مدويًّا على المنطقة ككل، ولن تنحصر فقط في الملف اللبناني، بعد اعلان الامين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، ان قواعد الاشتباك تغيرت، والمعركة المقبلة ستكون على كامل الحدود مع فلسطين المحتلة، وهو ما اخذته "اسرائيل" بعين الإعتبار، وعملت على التخفيف من حدته تباعًا، عبر استهدافها قادة حزب الله الذين يعملون على جبهة الجولان بشكلٍ خاص.
التهديدات "الإسرئيلية" على مختلف الجبهات، والإستعدادات المستمرة لحرب قادمة، إن كانت في غزة او لبنان، مشروطة بشكلٍ اساسي بالتغطية الأميركية لها، ومهما حاولت "اسرائيل" إظهار انها تتحرك بمعزلٍ عن القرار الأميركي، فإنّ هذا الامر لا أرضية له، ومهما هاجمت القيادة العسكرية "الإسرائيلية" القرارات الاميركية، فهي لن تدخل في قرار حرب، من دون العودة الى مصدر اسلحتها.
قامت الإدارة الاميركية برفع قيمة المساعدات العسكرية لـ"اسرائيل"، لصرف نظرها عن توقيع الإتفاق النووي، حيث بقيت الردود "الإسرائيلية" محصورة بالمواقف والإستعدادات المستقبلية، وفي ظل عدم رغبة من قبل ادارة اوباما بالدخول بأي حرب او إعطاء الضوء الاخضر لحلفائها، فإنّ توصيات مركز الامن القومي "الإسرائيلي" ستكون بإنتظار نتائج الإنتخابات الاميركية المقبلة، وتوجهات المرشح الرابح فيها.