بعد مرور خمس سنوات على ما اطلق عليه الربيع العربي ، فان النتائج حتى الآن لا تشير الى امكانية الوصول القريب الى الاهداف التى رغبت جماهير الانتفاضات في الوصول لها .
لقد جرى تحميل الانتفاضات مسؤولية ما يجري الآن وكأن ايام الربيع هي المسؤولة هذه النتائج ، وهنا لا بد من الوقوف بموضوعية وبامانة لتقييم تلك الانتفاضات وتحديد من المسؤول عما آلت اليه الامور: .
اكتب عن الانتفاضات على الظلم والاوضاع في تونس ( البلد الاول في بلدان الربيع العربي ) تنفجر مرة اخرى وبأن الاسباب التي فجرت الانتفاضة الاولى هي ذات الاسباب التي فجرت انتفاضة الاسبوع الماضي !
حقيقة الامر – من وجهة نظري – وبالنتائج التي وصلنا اليها ؛ ان حجم الاضرابات الاجتماعية ومسببات ثورات الربيع لم يجري معالجتها بالسرعة المرغوبة ، وبان جزءً من الحرس القديم لم يخرج عن صدارة اعادة البناء ، والشيء المؤكد ان حجم الظلم الذي وقع على الشعبين التونسي والمصري كان من العمق ما لا يمكن معالجته بسرعة ، ويبدوا ان عقدين من الزمن حكمهما زين العابدين كانت قد اوجدت ما لا يمكن وصفه من الفقر والبطالة والفساد الاداري والمالي ، كما ان اساسات الدولة العميقة (الدولة الامنية ) كانت قد تحكمت بارزاق الناس تحت الذرائع المفضوحة التي تسمى (الامن )، والامر ذاته ينطبع بدرجة قريبة من البلد الحبيب مصر ؛ من عهد أنور السادات وقمع ما يسمى –حينها – بمراكز القوي ، الى اطلاق القطط السمان وما تركته سياسة الافقار على ملايين الشعب المصري ؛ الى بناء المزيد من مظاهر الدولة العميقة ، وما تبع ذلك من الاستبداد والفساد والمحسوبية وانتشار الفقر لدى الاغلبية الساحقة من الشعب المصري وانتشار ما يطلق عليه بسكان العشوائيات وسكان المقابر ...الخ
ما جرى في ليبيا كان اكثر فداحة ؛ اذ سيطرت ميليشيات متصارعة على مناطق متعددة واصبح هناك مجلسان نيابيان وحكومتان ، وكانت ليبيا على ابواب مواجهة الاعلان عن كونها دولة فاشلة لولا الوساطة الاممية والتي اثمرت اتفاقا على حكومة واحدة في الاسبوع الماضي ، فهل سوف تضع هذه الحكومة الجديدة ليبيا على بداية الطريق نحو دولة جديدة ؟. ربما لا تنجح هذه الحكومة ما دامت الميليشيا الارهابية تمسك على مفاصل اقتصادية هامة مثل الثروة النفطية .!
القاسم المشترك بين دول الانتفاضات العربية وما اطلق علية الربيع العربي (تونس ومصر وليبيا ) انها قامت لاسباب حقيقية تتعلق بالظلم الاجتماعي والافتقار الى العدالة الاجتماعية والى تحكم الاجهزة الامنية برقاب البشر (مظاهر الدولة العميقة...) ؛اما الاوضاع في سوريا والعراق فلها خصائصها ، ولكن الافتقار الى الديمقراطية وانتشار مظاهر القمع وعدم مراعاة التنوع الاجتماعي والقومي عوامل فتحت شهية القوى الطامحة الى ان تعيث فساداً وتدخلاً سافراً في اوضاعهما ما زال يهدد كيانات هذه الدول والدول المجاورة !
الاستشهادات التي وردت لا بد وان تدفع بالقوى الحيّة ومن ليسوا مصابين بروح اليأس والاحباط من ان يدرسوا كل الاسباب والنتائج التي وقعت ، وان يحاولوا الوصول الى رؤية متقاربة –ان كان متعذر الوصول الى تطابق كامل -، ولكن الشيء الذي لا بد من التنبيه له هو خطر طغيان العناصر التي حاولت ركوب الربيع العربي، او التي تآمرت على الشعوب العربية وغير العربية المظلومة وما تزال تحاول تدمير الانظمة القائمة الى دول طائفية وتقدمها الى اطراف اقليمية طامحة مثل العثمانية الجديدة .بجانب كل ذلك الخطر من الوقوع في فخ التشكيك باسباب ومظاهر الربيع العربي او التعامل معها باعتبارها مؤامرة !
ثورات الربيع العربي سوف تثمر ولو بعد حين ؛ فالتاريخ لا يعود الى الوراء ...