الحدث: الرَّئيس الأمريكي اليوم في " أستونيا " لطمأنتها على أهميَّة عضويَّتها ودورها في حلف شمال الأطلسي؛ وذات الرِّسالة يودُّ أنْ يوصلها الى دول البلطيق التي إنضمَّت الى الحلف في اعقاب انهيار الإتِّحاد السوفييتي؛ وهو يودُّ التأكيد هناك أنّ السناريو الأوكراني لن يتكرر في دول البلطيق !!. تجري هذه الزِّيارة عشيَّة مؤتمر حلف النَّاتو في " ويلز " في إنجلترا؛ الذي سيناقش ذات المسألة؛ وسوف يؤكِّد على أهمية عضوية دول البلطيق في الحلف؛ وسيسعى الى بلورةِ خطَّة تدخُّل سريع في البلطيق في حال تعرَّضت لتهديد التدخُّل الروسي هناك؛ بفعل حركة الأقليَّات النَّاطقة بالرُّوسية؛ التي ربما تطلب تدخلاً روسياً في مجريات أوضاع دول البلطيق المحليَّة !!.
في ذات الوقت؛ أُعلِنَ اليوم في روسيا عن مناورات ستُجرى للأسلحة الصاروخيَّة الإستراتيجيَّة؛ وعن إعتمادِ عقيدة جديدة للجيش الرُوسي؛ تستندُ الى تلك العقيدة التي كانت قائمة إبَّان الحرب الباردة !!.
بالمناسبة؛ ينبغي التذكيرُ هنا؛ أنَّ جزءً أساسياً من الإستراتيجيَّة المعتمدة الآن لدى حلف شمال الأطلسي؛ في شرقي أوروبا وفي الشرق الأوسط؛ تقوم على أساس وضع العراقيل في عجلة عودة روسيا الى المشهد الدولي؛ وجاء في سياقِ ذلك؛ كلَّاً من الأزمة في سوريا؛ وأوكرانيا؛ ويجيء في سياق ذلك أيضاً؛ إستثمار حركات التطرُّف الدِّيني؛ كداعش وأخواتها؛ وداعميها "كتركيا" كونها عضواً في الحلف؛ وغيرها من الدُّول التي تسبحُ في تيَّار النَّهر الأمريكي المتدفِّق من واشنطن؛ عبر أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط؛ حتَّى حدودِ بحر الصِّين؛ كل ذلك يجري في خدمةِ إستراتيجية حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتَّحدة؛ ويجري إستخدام حركات التَّطرف الديني الآن في مواجهة الرُّوس كما جرى ذلك في أفغانستان؛ سابقاً إنْ كنتم تذكرون !!. وحتَّى أنَّ محاولة الإدارة الأمريكيَّة الآن بناءَ تحالفٍ دولي وإقليمي في مواجهةِ "داعش " يأتي في ذات سياق إستثمار هذه الظَّاهرة في محاولةِ بلورة تحالف واصطفاف ؛ الهدف الأساسي منه ؛ هو مواجهة الوضع الدولي المُسْتَجِدْ؛ أو الَّذي يبدو في الأفق !!.
على كلِّ حال؛ أنا كنتُ قد كتبتُ قبل أشهرٍ عديدة؛ مقالاً طويلاً؛ نَشَرَتْهُ صحيفة " القدس " بعنوان: " إرهاصات التبدُّل في المشهد الدَّولي...أينَ العربْ ؟! "؛ وتناولتُ فيه منحى التغيُر الدولي؛ وإرهاصات تبدُّله؛ على أساسِ ما نُشاهده من كتلٍ إقتصاديَّة عملاقة؛ كمجموعة البريكس ؛ والآسيان؛ والنَّافتا؛ وعلى ضوءِ ما يجري في أكثرِ من ساحة إحتكاك وتداخل وتناقض بين القوى الدولية التقليدية والناشئة على مساحة العالم؛ وتحديداً في منطقتنا.
المُهِم: هذه الإرهاصات مستمرَة في الظهور؛ والرُوس وحلفاؤهم يحجزون لهم مواطيء قدمٍ جديدة مع كل يوم على السَّاحةِ الدَّوليَّة؛ فيما العربُ يقومون بذات الدَّور التقليدي؛ الفطري الأندريجينتي " الوراثي " وهو الوقوف في صفِّ أعدائهم التقليديين؛ مُستَخْدمين؛ في مواجهة اصدقائهم المُفترضين؛ أو الحقيقيين؛ وفي هذا السِّياق؛ ليسَ عبثاً أنْ يتم إستهداف الطَّوائف المسيحية الأرثوذيكسيَّة تحديداً كونها إمتداداً لروسيا الأورثوذوكسيَّة؛ وبالمناسبة؛ المسيحيَّة الأرثوذوكسيَّة؛ لم تُفرِز ثقافةً إستعلائية أو إستعماريَّة؛ بل كانت على الدَّوام ثقافة تدعم العدالة وتناصر الشعوب المستضعفة.
ما يجري الآن في البلطيق وفي المنطقة؛ هو لعبة عضّ أصابع؛ فمن سيصرُخ أولاً ؟؟ بتقديري ؛ أنَّ الرُّوس لن يصرخوا أوَّلاً؛ لأنَّهم الآن يفكِّرون بطريقة إستراتيجيَّة؛ ويسلكون ذات السلوك الإستراتيجي؛ الَّذي سلكوه مع نهاية الحرب العالميَّة الثانية؛ زمن روسيا " السَّتالينيَّة " و " الخروتشوفيَّة "... وقد انتهى عهد روسيا " الغورباتشوفيَّة " وروسيا المتَهَتِّك " بوريس يلتسين " وذلك مع بداية عهد " فلاديمير بوتين ".