غزة- حامد جاد
الحدث - أجمع صحافيون مستقلون وموالون على عدم جدية طرفي الانقسام في تحقيق المصالحة متهمين كل طرف منهما بالرغبة في مواصلة دوره في إدارة الانقسام وليس إنهائه وفي ذات الوقت استبعد إعلاميون إمكانية إعادة إحياء ملف المصالحة أو عودة مصر مجدداً لبذل أي جهد في هذا الملف المعلق منذ سبع سنوات.
ولم يستثن الإعلاميون أنفسهم من انتقاد الدور الإعلامي السلبي الذي لعبه البعض منهم في بادئ الامر من خلال تأجيج الانقسام وإثارة القضايا الخلافية دون أن يحاول البعض منهم التخفيف من حدة الاحتقان الأمر الذي بدد بعد عدة سنوات فرص التوصل لتحقيق المصالحة.
وحول رؤية الوسط الإعلامي في غزة لما آل إليه ملف المصالحة بعد سبع سنوات من الانقسام رأى الصحافي فتحي صبّاح مراسل صحيفة الحياة اللندنية أن مصر غير جاهزة لبذل أي جهد لإتمام المصالحة سواء في الوقت الراهن أو حتى في المستقبل القريب معتبراً أن التوتر بين مصر وحركة حماس الذي بدأ في أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز 2013 لا يزال يلقي بظلال كثيفة على مصر والحركة سيما وأن مصر تتهم الحركة بالوقوف وراء بعض الأعمال “الإرهابية” في سيناء وغيرها.
وبين صبّاح أن مصر في المرحلة الراهنة والمستقبل المنظور ستظل مشغولة بأوضاعها الداخلية التي يغلب عليها الوضع الأمني المتوتر والاستعداد لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية قد تكون خلال العام الجاري، ما يعني عدم قدرتها مجدداً على استضافة جلسات المصالحة وذلك بعد سنوات طويلة من استضافتها لجلسات الحوارات وتوقيع عدد من الاتفاقات دون أن تلمس جدية لدى حركتي فتح وحماس، وقناعتها بعدم رغبة الحركتين في إنهاء الانقسام بل في إدارته وتقاسم “كعكة” السلطة والحكم وهو ما يهدد المشروع الوطني برمته.
وحمل صبّاح الطرفين المسؤولية عن الانقسام منوهاً إلى أنه منذ عدة شهور وفي اعقاب عزل مرسي والعزلة التي تعيشها حماس على المستوى الإقليمي والازمات الداخلية المتلاحقة والضاغطة عليها أصبحت حماس أكثر رغبة وجدية في المصالحة، لكنها لا تزال تفرض شروطها في اعتقاد منها أنها لا تزال تمتلك الكثير من أوراق القوة وتعيش حالة إنكار لأزماتها في حين أن الرئيس عباس مشغول بالمفاوضات ويشعر بأنه أصبح أكثر قوة بعد عزل مرسي الذي كانت تستقوي به حماس في السابق وبالتالي الرئيس عباس بحسب صبّاح غير مهتم بالمصالحة حاليا ويرغب بمزيد من الضغط على حماس في غزة كي تأتي للمصالحة ضعيفة.
وقال صبّاح “في مرحلة سابقة عندما كان الإخوان المسلمون والرئيس المعزول مرسي في الحكم كان الرئيس محمود عباس يدعو حماس للمصالحة وهي تتريث أو تماطل لشعورها بالقوة لوجود الإخوان في الحكم أي أنه في فترات بعينها كان الرئيس عباس ينحو نحو المصالحة وفي أوقات أخرى كانت حماس تنحو نحوها”.
وحول الدور المفترض أن يضطلع به الإعلام الفلسطيني لدفع عجلة المصالحة اعتبر صبّاح أن الإعلام لا يستطيع أن يدفع الطرفين للمصالحة فالمصالحة بحاجة لإرادة سياسية وقرار من الحركتين ومن دون ذلك لو ظل الإعلام والشعب الفلسطيني ليل نهار يطالب بالمصالحة لن تتم.
وأضاف “لكن بإمكان الإعلام أن يخفف الاحتقان في فلسطين وعدم التحريض ونفث سموم الكراهية لدى الفلسطينيين والتركيز على الإيجابيات بدلا من السلبيات بل وإهمال كثير من قضايا الانقسام والتركيز على قضايا الوحدة والتعاضد والتكافل إلا أن بعض الإعلام الفلسطيني ارتكب جرائم وخطايا إبان الانقسام وحرض على العنف والقتل والكراهية وكان فئويا بامتياز” .
وأكد في هذا السياق أن المطلوب فلسطينيا لإنهاء الانقسام يستوجب أن يقتنع الطرفان أنه ليس بإمكان أي طرف القضاء على الآخر أو إقصاء الآخر عن المشهد السياسي والحكم بل عليهما أن يقتنعا بالتكامل في ما بينهما ومع الآخرين كما أن على الطرفين أن يتحليا بالمسؤولية الوطنية تجاه المشروع الوطني الذي يتعرض لأكبر خطر على مدى تاريخه، فالقضية الفلسطينية تواجه خطر القضاء عليها وضياع الأرض والمقدسات والإنسان، بخاصة وأنه لا يوجد أي أمل بأن يحرص الشعب على حقوقه الوطنية الآن ولا في المستقبل بسبب تعنت وصلف إسرائيل ودعم أميركا لها وضعف العرب والمجتمع الدولي والانقسام الفلسطيني.
ودعا صبّاح طرفي الانقسام للبحث عن القواسم المشتركة بينهما وبالتوافق مع بقية مكونات الشعب للتوصل الى استراتيجية سياسية موحدة أو برنامج الحد الأدنى السياسي الذي يتضمن رؤية واضحة حول المفاوضات والمقاومة وشكل الدولة في المستقبل ونظامها السياسي والاقتصادي.
وحول الأزمة السياسية والمالية التي تعيشها حماس وحكومتها وأثر ذلك على موقفها من المصالحة قال صبّاح “أعتقد أن الأزمات التي تعيشها حماس منذ شهور طويلة هي ما دفعتها لإطلاق كل مبادراتها للمصالحة مع فتح والرئيس عباس من دون جدوى نظرا لانشغال الرئيس بالمفاوضات ومصالح فتح في الضفة وعدم رغبته في تحمل مزيد من الأعباء المالية وغير المالية المترتبة على انتهاء الانقسام وإنجاز المصالحة لكن هذه المبادرات غير كافية فضلا عن أن الحوارات الأخيرة مثلا اصطدمت بعقبات متعلقة بمستقبل كتائب القسام وأعداد موظفي حماس الـ51 ألف الذين سيتم دمجهم في السلطة علاوة على إبقاء الوضع في غزة تحت سيطرة الحركة أمنيا وهي شروط أو استحقاقات كبيرة لا يرغب الرئيس محمود عباس ولا يستطيع تحملها في الوقت الراهن بخاصة قبل أن تنتهي مدة المفاوضات في 29 نيسان المقبل”.
ويتفق الصحافي شريف النيرب مراسل فضائية LBC مع صبّاح في أن انشغال الراعي المصري بوضعه الداخلي واعتقاد كل طرف من طرفي الانقسام بأن لديه مقومات السيطرة وبالتالي عدم جديتهما تجاه المصالحة شكلت أبرز الأسباب الداعية لعدم التفاؤل بإمكانية إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة على المدى المنظور.
ورأى النيرب أن جهود المصالحة التى بذلت من الأطراف العربية المختلفة سواء عبر الوسيط والراعي المصري أو من خلال التدخل القطري واليمني كانت جميعها تستهدف تحقيق المصالحة ولم تدخر هذه الدول جهداً لتحقيق المصالحة الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس إلا أنه بعد سبع سنوات من الإنقسام وما تراكم خلالها من ملفات وقضايا خلافية بدد فرص التوصل لتحقيق المصالحة وأدى إلى إفشال المبادرة الأخيرة التي اتخذها الرئيس محمود عباس عندما كلف أخيرا عزام الأحمد بالاتصال مع حماس وتقديم ورقة مكتوبة لحماس كي توقع الأخيرة على مواقفتها على تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد اللإنتخابات الشاملة الأمر الذي لم تفعله حماس حتى اللحظة وبالتالي نظراً لتأخر حماس في الرد عرضت الجبهة الشعبية مبادرتها التي وافق عليها الرئيس بينما لم ترد حماس «وهو ما يجعلنا نقول إن المصالحة لا تزال في ثلاجة المصالح بين الطرفين رغم التهديدات المحدقة بالقضية الوطنية».
واعتبر النيرب أن لدى حماس الآن فرصة تاريخية للرد بإيجابية على مبادرة أبو مازن لتشكيل حكومة مستقليين وتحديد موعد اللإنتخابات سيما وأن حماس تعاني من عزلة غير مسبوقة.
وأكد أن الإعلام الفلسطيني وخاصة الحزبي منه مطالب بتعزيز ثقافة المصالحة وتشكيل لوبي ضاغط على كل من يعطلها من الطرفين منتقداً في الوقت ذاته تكيف العديد من مؤسسات المجتمع المدني مع الوضع الفلسطيني المنقسم بما يتماشى مع مصالحها فكل هذه العوامل أسهمت بالابقاء على حالة الانقسام لسبع سنوات وهي فترة كانت كفيلة بخلق حالة إنتفاعية من الطرفين وفترة كانت مناسبة لزعوعة جيل من صقور المحاصصة الذين يعلمون أن التوصل لأي اتفاق سيجردهم من مواقعهم.
وقال «أعتقد أنه كان من المفترض أن يقوم الإعلام بدور فاعل في تحريك ملف المصالحة إلا أن بعض المنابر الإعلامية قدمت مصالحها على مصلحة الوطن والمواطن وبعض الزملاء الذين إلتزموا الصمت خوفاً من الملاحقة أو إتهامهم بعدم المهنية ومن المآخذ ان بعض الصحفيين إتجهوا للعمل على ممالأة الحكومات تماشياً مع مصالحهم الشخصية أو تجنباً لملاحقتهم أو إعتقالهم وهو ما أعطى طرفي الخلاف ان لاصوت يهددنا طالما بقيت الصحافة أو بعضها في دائرة المنفعة المتبادلة».
أما الصحافي حسن جبر المتابع لملف المصالحة فوصف المصالحة بضرورة تقتضيها متطلبات تعزيز طاقات الوطن وتحقيق الأهداف الوطنية العادلة وبدونها سيظل الكل الفلسطيني يدور في حلقة مفرغة من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين «حماس وفتح» وعدم تحقيق المصالحة ناجم عن رغبة قوى داخل الطرفين لتعزيز مواقعها ومكتسباتها.
وشدد جبر على ضرورة أن تستجيب حركة حماس للمبادرات التي تم تقديمها وخاصة مبادرة الجبهة الشعبية التي وافق عليها الرئيس عباس إلى جانب موافقة حماس على العرض الذي قدمته حركة فتح من خلال عزام الأحمد الأمر الذي يعني بحسب جبر أن الكرة الآن في ملعب حماس وعليها أن ترد على المبادرات المطروحة ودون تأخير محملاً كلا الحركتين المسؤولية عن عدم التوصل الى المصالحة.
ودعا جبر في ذات الوقت الاعلام للعب دور أكثر التزاماً ومسؤولية تجاه إعلاء صوت الشعب ومطالبة قيادته بإنهاء الانقسام متهماً أطرافاً اعلامية لم يسمها بعدم القيام بالدور المطلوب وأن البعض من هذه الأطراف انخرط في الانقسام وروج له مما ساهم في تضليل المجتمع وعدم إيصال الحقيقة له.
من جهته استبعد الصحافي ياسر أبو هين رئيس تحرير وكالة صفا الإخبارية إمكانية أن ترى المصالحة النور على المدى القريب لارتباط هذا الأمر بحسبه بأمور واعتبارات داخلية وخارجية لدى طرفي الانقسام.
وقال «حركة فتح كتنظيم وسلطة عين على المصالحة وأخرى على المفاوضات مع اسرائيل فهي تتعامل مع المصالحة لكسب أوراق جديدة تدعم موقفها في المفاوضات وتعمل في ذات الوقت على تأجيل البحث في ملفات المصالحة ظناً منها أن المصالحة ستنقذ حماس من أزمتها وبالتالي فهي لاترغب في أن تنقذ حماس وتلقي لها بطوق النجاة الذي سينقذها من تداعيات التغيرات الإقليمية لذا لا ترغب حركة فتح في حل أزمة حماس مع مصر وهذا ما نراه في تصريحات مسؤوليها وتماهي هذه التصريحات مع الهجوم المصري والإعلامي ضد حماس».
وتابع « أما حركة حماس فلديها اعتبارات أخرى في الإبقاء على الوضع الراهن دون مصالحة فهي تواجه عقبات داخلية أكثر من الخارجية فهناك اختلاف في وجهات نظر قيادات الحركة نفسها وقرار المصالحة ليس موحدا وليس كل المستوى القيادي جاهز في حماس للمصالحة فهو لا ينظر للمصالحة كضرورة وهذا جاء على لسان العديد من المسؤولين في الحركة».
وزاد بقوله «خشية حماس من المصالحة تعود لمخاوفها من أن تشكل المصالحة خطرا على مشروع المقاومة في حال عودة حركة فتح للسيطرة على قطاع غزة وبالتالي نحن أمام نهجين مختلفين لايلتقيان أحدهما يسعى للحفاظ على المقاومة والآخر يسعى للإبقاء على التنسيق الأمني».
وقلل أبو هين من أهمية دور الإعلام في تعزيز أجواء المصالحة متهماً البعض من وسائل الإعلام والإعلامين بأنهم قاموا في بداية الانقسام بدور سلبي لصالح وسائل إعلام حزبية عملت على تأجيج الصراع ولم تلتزم بالمهنية أما مؤخراً فتماهى إعلاميون وصحافيون مع رؤية الجمهور الذي فقد ثقته بطرفي الانقسام وبجديتهما في المصالحة ما أفضى لحال من العزوف لدى وسائل الاعلام والصحفيين تجاه إثارة رأي عام مؤثر وضاغط على طرفي الانقسام والسياسيين من الطرفين الذين باتوا في الآوانة الأخيرة يغردون خارج السرب .