الحدث- أحمد زكارنة/ رام الله
فيما تحتفل الأوساط الفنية العربية والمصرية بذكرى ميلاد قيثارة الغناء العربي، صوت مصر الملائكي، كشفت مصادر مقربة من الفنانة العملاقة نجاة الصغيرة أنها سافرت سرا لتلقى العلاج في إحدى المنتجعات الألمانية المتخصصة في علاج الشيخوخة، مؤكدة أن الفنانة الكبيرة رفضت الظهور أمام الكاميرات في مناسبات مختلفة بسبب ظهور الشيخوخة على ملامح وجهها.
وكانت مفاجأة عودتها إلى الساحة الغنائية من خلال قصيدة الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي
"مين سماكي" وألحان "سامي الحفناوي" قد أثلجت صدور عشاق صوت مصر الملائكي "نجاة الصغيرة" صاحبة المشوار الغنائى الحافل الذي لم ينضب حتى بعد سنوات من الاعتزال والابتعاد. كما أثلجت صدرها وهي التي سجلتها بصوتها مع انطلاق ثورة الـ 25 من يناير منذ 3 سنوات، ولم تستمع إليها إلا مؤخراً.
وحرصت نجاة طيلة هذه الفترة أن تكون مواطنة فعالة في بلدها مصر التي تعرضت خلال السنوات القليلة الماضية لحالة عدم استقرار، حيث شاركت في العملية الانتخابية الأخيرة بسعادة وتفائل كبيرين، معلقة بالقول: إنه لا يجب أن ننظر إلى الوراء، وإن مصر ستكون جوهرة العالم.
ونجاة التي تنتمي إلى أسرة ضمت بين أفرادها العديد من المواهب وكأن الفن كُتب على هذه الأسرة بأشكاله المختلفة، فالوالد خطاط شهير، والأبناء عشقوا الموسيقى والتمثيل ونال بعضهم شهرة لم يصل إليها آخرون، ومنهم الفنانة الراحلة الكبيرة "سعاد حسني"، ورغم الظروف الحياتية الصعبة التي نشأوا فيها وتعدد زيجات الأب وقسوته في بعض الأحيان، لكن يبدو أن الإبداع يولد من رحم المعاناة.
فبالرغم من ابتعادها التام عن الساحة الإعلامية والفنية منذ أن قررت الاعتزال عام 2002، مازالت نجاة الصغيرة صوت مصر الملائكي الأول، الذي امتلك جسم ضئيل وموهبة ضخمة جعلتها تنجح في أن تفسح لها المجال وسط عمالقة الغناء العربي في ذلك الوقت من أمثال أم كلثوم وليلى مراد وفايزة أحمد.
الأبنودي: نجاة تمشي على الماء، كما تمشي على الأرض دون أن تطأ أقدامها التراب.
نجاة الصغيرة التي تمشى على سطوح الأشياء. يؤكد الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، أن نجاة قادرة على المشى فوق الماء والمشى فوق الأرض دون أن تطأ أقدامها تراب الأرض، فهى إنسانة بقدر ما هي فنانة علمها الفن شدة الحذر فكل شطر وكل كلمة وكل حرف لابد أن يمر عبر فهمها للعاطفة والحب، وهو طعم خاص لذلك هي لا تتعامل إلا مع شعراء خاصين.
سامى الحفناوى: خطواتها محسوبة والتعامل معها ممتع ومريح
أما الملحن سامى الحفناوى فقال لـ"المصري اليوم" عن الفنانة الكبيرة: "نجاة قدوة لكل فنانة مصرية وعربية على المستويين الفنى والإنسانى في التعاملات البسيطة والكبيرة، كما أنها حكيمة ولا تتخذ قرارات متسرعة في أي خطوة، لذلك نجد أن كل إبداعاتها الفنية جميلة ومحسوبة، لأنها تختار بعناية الموضوع الذي يناسبها والتوقيت المناسب لها وهى من أشد الفنانات احتراما للمواعيد".
وأضاف الحفناوى: "التعامل معها ممتع ومريح، لأنها تمتلك من الحس الفنى والخبرة ما يؤهلها للحكم الصحيح على أي لحن أو كلمة، فعندما تستمع للحن جديد تكون مؤهلة نفسيا بكل جوارحها للفصل فيه، ولو لم تكن مستعدة نفسيا أو ظروفها غير موفقة لا تستطيع سماعه، لأنها تقدس العمل وتحترمه وتضعه في المقام الأول من اهتماماتها، وتعتبر لحظة الحكم على العمل لحظة فاصلة في مشوارها الفني".
طارق الشناوى: لديها ترمومتر في اختيار الكلمات لم يتوفر لأحد من جيلها
ويؤكد الناقد المصري طارق الشناوي، أن نجاة الصغيرة تمتلك ترمومترا في اختيار الكلمة واللحن لم يتوفر لأى أحد من جيلها، وكانت تتعامل مع كبار المؤلفين مثل مرسى جميل عزيز ومأمون الشناوى وإسماعيل الحبروك وحسين السيد، وكانت هناك مرحلة مهمة في حياتها والتى غنت فيها لنزار قبانى 9 قصائد بدأتها بـ«أيظن» وانتهت بـ«أسالك الرحيل» كما غنت لكامل الشناوى «لا تكذبى».
يذكر أن الفنانة الكبيرة نجاة الصغيرة، حرصت دائما على التجديد من أغنياتها، فتعاملت مع أجيال مختلفة من الشعراء والملحنين، عندما بلغت نجاة سن التاسعة عشرة كلف والدها شقيقها الأكبر «عز الدين» ليدربها على حفظ أغانى «أم كلثوم» لتقوم بأدائها فيما بعد في حفلات الفرقة، وتبدأ مرحلة جديدة في مشوارها الفنى، ويقدم لها «مأمون الشناوى» أغنية «أوصفولى الحب» من تلحين «محمود الشريف»، وفى ذلك الوقت أحاطت «نجاة» نفسها بالمثقفين أمثال «محمد التابعى»، و«مأمون الشناوى»، و«كامل الشناوى»، و«فكرى أباظة» فكونت نجاة بذلك هيئة مستشارين من أصدقاء ينصحونها، وينيرون الطريق أمام هذه الموهبة العبقرية هذا إلى جانب دقتها الشديدة جداً في العمل، وحرصها الشديد الأقرب إلى الوسوسة.
من أهم أغانيها:عيون القلب، أيظن، أسألك الرحيلا، في وسط الطريق، القريب منك، شكل تاني، ساكن قصادي، استناني، أما غريبة، أنا بعشق البحر.
كما ولها العديد من الأغاني الوطنية أهمها ما غنته لمصر وفلسطين في أغنية واحدة وهي " والله وعرفنا الحب"، تلك الأغنية التي لم تأخذ نصيبها من الانتشار بالشكل اللازم.
هذه هي نجاة الصغيرة التي وبرغم عمرها المتقدم، ستبقى في قلوب وذاكرة عشاقها. تلك الفنانة القديرة، الأميرة التي تقطر نعومة وحشمةً وحياءً ورقة صوت.