الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

في العدد 56| موسيقى الأفلام تحييها أوركسترا الأطفال في فلسطين

2016-02-02 12:02:24 AM
في العدد 56| موسيقى الأفلام تحييها أوركسترا الأطفال في فلسطين

من المخيمات إلى المدن تتشكل الجوقة !

الكلاسيكية في الموسيقى

الحدث - آيات يغمور

تبدو الموسيقى الكلاسيكية بعيدة عن شرقيتنا التي تتغنى بألحانها وتدور في إطار "التخت الشرقي" وهو ما أطلقه الموسيقيون على ألوان عزفهم.

 

وللكلاسيكيية في الموسيقى عشاقها، ولتصبح القاعدة الجماهيرية أوسع، هنا في فلسطين، يحاول الموسيقي ابن ال24 عاماً، منتصر الجبريني، أن يجعلها للأذن العربية أقرب، عبر إيجاد رابط يجتذب اهتمام الجمهور، ويحاكي اهتماماتهم.

تتشكل أوركسترا الأطفال التي تعزف لوناً من ألوان الكلاسيكية، موسيقى الأفلام، من مجموعة طلاب يعقدون ورش عمل كل في مخيمه أو قريته، ليجتمعوا مرتين أسبوعياً في رام الله، لتكون مركز عزفهم الجامع لموسيقاهم.

 

وانطلاقاً من شاشات التلفاز التي جلبت الفن إلى منازل الفلسطينيين أجمع، كما المحيط، وتحديداً الأفلام السينمائية على اختلاف أشكالها، جاءت فكرة الجبريني "موسيقى الأفلام" لتحاكي هذا الفن، وتنقل المشاعر عبر إيقاعها السريع والبطيء، ليشكل أول أوركسترا تعزف هذا اللون الموسيقي هنا في فلسطين.

 

وتحتضن هذه الأوركسترا، جمعية الكامنجاتي، التي شكلت مجموعة من 50 موسيقي من فئة الأعمار الصغيرة، التي تضم أطفالاً من عمر الثامنة وحتى الثامنة عشر، جمعتهم آلات موسيقية أتقنوا عزفها.

 

موسيقيون من مختلف المناطق الفلسطينية، وتحديداً مخيمات اللجوء، فمن رام الله إلى مخيم الأمعري، مخيم قلنديا، مخيم الجلزون، قرية دير غسانة، ووصولاً إلى جنين، استطاعوا بمواهبهم أن ينقلوا إحساساً موسيقياً لطالما كان النكهة التي تجعل من الأنغام وسيطاً ناقلاً للمشاعر التي تعبر عنها مشاهد فيلم ما.

 

المايسترو منتصر، يرى في أعين العازفين الناشئين شغفاً يقربهم من الحلم، في أن يكونوا رواد الموسيقى الكلاسيكية، عبر ألحان متناقضة تبرز جماليتها عند اجتماع الآلات في صف واحد، لتكون الفرقة الموسيقية جوقة تحمل هذا اللون من الموسيقى إلى أزقة فلسطين على اختلاف قراها ومدنها، لتذوب الفوارق في عذوبة ألحانها، وتصبح فلسطين صوتاً موسيقياً واحداً.    

 

جو فريد تخلقه هذه الأوركسترا التي تعنى حسب ما وصف المايسترو منتصر بالطابع الكرتوني، الذي هو أقرب ما يكون إلى الفئة العمرية التي تقود الأوركسترا، وإذ بها تخرج موسيقى أفلام كرتونية تجعل في اللون الكلاسيكي بساطة يقربها من الجمهور.

 

ويدخلنا المايسترو في إشاراته التي تغني عن الكلام، إلى جو يعود إلى قديم الزمان، عندما كانت البساطة طابعاً، وكان للموسيقى عرشها التي تجذب ذواقيها من أي كان، ليجلسوا في مقاعد خشبية وينتظروا إشارة المايستروا ليبدأ تطاير الألحان، هناك عندما كانت الموسيقى تَلزم الحضور، والحفلة رسمية، ترتدي من أجلها النساء فساتينها والرجال بدلهم الرسمية، وتتوج الموسيقى ذلك المساء.

 

والآن في الألفية الثانية، تنقل الراية الموسيقية من العظماء، إلى أطفال تحملوا مسؤولية تاريخ موسيقي عريق، ليجعلوا موسيقاهم حلقة وصل بين الماضي الجميل، والحاضر، الذي أتاح الموسيقى لجميع الفئات، صغاراً أو كباراً فقراء أو أثرياء، فهي لغة يفهمها من يمتلك أذناً نقية، دون شرط أو قيد يحول بينها وبين أي إنسان.

 

أطفال الكمنجاتي، في هذه الفرقة الأولى من نوعها، يعيشون حياتهم على اختلافها، ليجتمعوا في مكان واحد، تتوحد فيه العقائد، العادات، والأديان، فالموسيقى لا تعرف الآن طبيقة، ولا ألوان.

 

خمسون طالباً يخرجون من بيوتهم وبعد مدارسهم، ليجعلوا من طاقاتهم لحناً يفجر المكان، طاقات إيجابية تعوم في سمائهم، وتتألق في أعينهم، وتقودها أياديهم، يتحدثون الموسيقى وينتجونها، بعيداً عن السياسة وبعيداً عن الحياة، فالموسيقى حياة أخرى، ينتقل إليها العازف والسامع، تأخذ هؤلاء العازفين الصغار إلى المستقبل، لعله يكون أكثر إشراقاً وأحن لحناً وأبهى طلة.

 

المايسترو صديقهم، لا مجال لأستاذ وطالب في تلك القاعة، تشعر وكأنك في مكان لا يحمل سقفاً لا تحيطه جدران، حرية الحديث حرية الوجود حرية اللحن، لا ضوابط، لا حواجز، لا جدران، الهدف جمالي بحت، والناتج شعوري لا ملموس، الأذن فقط من يحكم، من يشعر، من يتذوق الألحان.

 

 شخصية أخرى لكل طالب، هكذا عبر الجبريني عن طلابه، شخصية يشكلها كيفما أحب، يكون، هنا في الكمنجاتي وفي هذه الفرقة، تأهيل جديدٌ أعاده العازفون الصغار لأنفسهم، بعيداً عن رغبات المجتمع وسيطرته، بعيداً عن أعينه وقواعده، القانون الوحيد هنا .. الإيقاع.

 

وللطلاب نظرتهم الخاصة، فمنهم من يرى في الفرقة ملاذاً آمناً، عالماً ثانياً، أسرة جديدة، يعيش بها وتحتضنه، مجتمع صغير لا يعرف إطلاق الأحكام.

 

ومنهم من يرى في الفرقة مستقبله، طريقه نحو الجديد البعيد عن التقليد، بعيداً عن الأكاديمية بعيداً عن الخيارات المحصورة، استثناء، هي ما تعبر عنه هذه الفرقة، الفرصة التي عليه أن يغتنمها، النعمة التي يرفض أن يضيعها، الحلم.

 

ومن الأطفال من يرى في الفرقة عالماً كاملاً، واسعاً يتلقفه من مكان إلى آخر، برفق وحرص شديدين، ليجعل من مجتمعه المعاش خيالاً ولو لبضع ساعات، ليكون الواقع هو الفرقة، والحياة فقط موسيقى.

 

لا بد للفلسطيني أن يعيش، هكذا يرى المايسترو الذي آمن بأن الطلاب الصغار قادرون على العطاء، يسيرون بخطى واثقة نحو النجاح، فلربما تأخذهم هذه الأوركسترا التي تعزف ألحاناً موسيقية للأفلام، إلى إنتاج أعظم وأضخم، إلى مدرسة موسيقية عريقة، تعلم لغة اللحن، وتدرس الأدب الموسيقي، ليكون للموسيقى الكلاسيكية أثر في فلسطين، جمع العازفين، على لحن متخبط فيه روح.