نعيش اليوم حالة احتقان كبيرة، نحاول جميعنا غض البصر عنها، وكف البصيرة عن التفكير فيها، وإغلاق أدمغتنا كيما نفهمها. وهذه الحالة تماماً عكس الحالة الطبيعية للنفس البشرية، التي تحاول دائماً معرفة ما لا تعرفه، والبحث خلف المجهول، وتتوق لفتح الصناديق المغلقة، لتكتشف وتجد تفسيرات لما هو غير مفسر، وتفهم ما هو غير مفهوم، فكانت المحفز الأساس لنشأة علوم "الماورائيات"، أي العلوم الغيبية، كعلم ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقيا)، وعلم ما وراء النفس البشرية (البراسيكولوجي).
أما الحالة الفلسطينية، فقد شابها نازعٌ من نوع آخر، أفقدها غريزة الاهتمام بأي شيء وأفقدها محفز متابعة أي تغيير محتمل، فمجريات الحياة السياسية، التي لم تعد مفهومة، رغم كل الهمسات والإشارات والتلميحات بأن هنالك حراكاً غير معلن عنه لكسر حالة الانقسام ولم شمل الوطن، لم تعد تهم المواطن.
هي مرحلة أشبه بمرحلة "نرى ولا نرى- نسمع ولا نسمع"، فنحن من شدة فقدان الأمل، بتنا كالعالق في عنق الزجاجة، ليس هو بأسفلها، ولا هو بخارج منها.
أما من يديرون شأن هذه المرحلة فهم لطالما كانوا وما زالوا يستخدمون تقنيات "عنق الدجاجة"، حيث أن الظاهر أمامنا أن لا شيء يتحرك، بينما هنالك ما يتحرك، فالمعروف عن الدجاجة أنه بسبب جسمها غير المتناسق، الذي لا يؤهلها للمشي، فإن فقرات عنقها منفصلة عن باقي جسدها، وبالتالي فإن رأسها كلما تحركت مشياً أو جرياً فإن رأسها يبقى ثابتا في مكانه لا يتحرك.
هي محاولات صاحبي يوسف في السجن، وأمر قضي، وما زالا فيه يستفتيان.