الحدث - محمد الأمين سعيدي- الجزائر
1.
البياضُ المسافرُ عبر مرايا الأنوثةِ
مثل الإوزِّ الذي يتراقص فوق البيوتِ الحكيمةِ
لا يتنازلُ عن سرِّه المشتهى
للذين يمرُّونَ ممتلئين بشوقِ الغريبِ المسافرِ
في أرضِ أسرارهِ..
البياض المضيءُ سماءَ البداياتِ
ملتحفا بالمفاتنِ
يعبرُ أنفاقَ روحي الكسيرةِ
في يدهِ الأمنياتُ البهيجةُ تعبرُ حيرة مستقبلٍ غامضٍ
علمتْه المسافاتُ ألا يضيءَ..
البياضُ الذي يتماوجُ مثل الأغاني
هنا في بلادِ القبائلِ(1)
يفتح في الأرضِ باب السَّماءِ على جنَّةٍ
تتراقصُ فيها الإوزَّاتُ في مشهدٍ قدسيٍّ مهيبْ..
لمْ يصدِّقْ خيالُ الجنوبيِّ أنَّ أوائلَه القادمونَ
من الغيبِ معتمرينَ عمائم شوقٍ قديمٍ
وممتشقينَ زهورَ الرِّياضِ التي في القصورِ العتيقةِ
يحتفلونَ هنا بثمارِ السُّلالةِ
تملأ “جرجرةً”(2) بالملائكةِ الطيبينَ
وتنثر عبر الشوارعِ رائحةً للمحبَّةِ
توقظ شمسَ المحبين من نومها
والجهاتِ من الحلم المستحيلْ..
2.
الصّعودُ إلى “تامدةَ”(3) العشقِ
حيث البحيْراتُ راقصةٌ
والهواءُ طريقٌ إلى الأفق الأنثويِّ المقدَّسِ
يشبه أنشودةَ العاشقين الذين اكتووا بنبيذ الجنونِ
وغابوا بعيدا كما طائرٍ لم يذقْ غير ماءِ المتاهِ
فطار بعيدا بلا رجعةٍ
واكتفى بالحنين إلى شجر الذّكرياتِ الذي أورقتْ روحُهُ في الغيابِ الجليلْ..
3.
أتمشَّى هنا في دهاليزِ قلبيَ
أقصدُ في شارع هرِمٍ مثل عرّافةٍ يستفيقُ الصباحُ
على صوتها البربريِّ
يغنِّي لأطفالِ تلك المداشرِ
كيْ لا يهابوا فراقَ الأمومةِ في المدْرسَةْ
وتغنِّي لخطْوي الوحيدِ
وحرفي الذي يتهجَّى البكاءَ
أمام فتاةٍ بلا أبويْنِ
تمدُّ إليَّ يديْ لغةٍ لستُ أعرفها
وشقاءً طويلا لكيْ ألبسهْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)بلاد القبائل: مناطق تواجد بعض أمازيغ الجزائر.
(2)جرجرة:سلسلة جبلية في شمال الجزائر، ومعنى جرجرة (جرجر أو جارجير) المكان البارد.
(3)تامدة:اسم جبلٍ في مدينة تيزي وزو، ويعني تجمع البحيرات.