في رائعته الشهيرة "البؤساء" يروي لنا الأديب الفرنسي فيكتور هيجو قصة جان فال جان الشخصية الرئيسة في الرواية و الذي قضى 19سنة في السجن لارتكابه اخطاءا كثيرة قضى خمسا منها حينما قست عليه الحياة ولم يجد قوت يومه ليسرق رغيف خبز ليؤمن قوت اخته و ابنتها بعد وفات المعيل.
فكان فيكتور هيغو مرآة لمآسي المجتمع الفرنسي في عهده.
تبدأ أحداث الرواية عام 1815 عندما يطلق سراحه للتو من السجن حيث يرفض أصحاب الفنادق استقباله لديهم بسبب جوازه الأصفر الذي يشير إلى انه مجرم سابق ليجد نفسه في الشارع
فيستضيفه شارل ميريل أسقف المدينة في بيته، وفي الليل يهرب جان فالجان سارقاً أواني فضية من بيت الأسقف، وعندما يقبض عليه الشرطي، يتظاهر ميريل بأنه هو من أعطى له الفضيات.
كل الاخطاء التي ارتكبها جان فال جان هي مسؤولية المجتمع الذي همشه و طرده من رحمته.
قصص مشابهة لقصة جان فال جان انتشرت من جديد في فرنسا بمنطقة "كاليه " على الحدود الفرنسية البريطانية، اكثر ابطالها عرب هاربون من ظلم و قسوة الحياة في بلدانهم و سلطة الأقوياء على الضعفاء فوجدوا امامهم مجتمعا لا يرحم، فرنسا تلقي باللائمة على بريطانيا و بريطانيا تفعل نفس الفعلة معهم.
ويرى سكان المدينة هؤلاء بانهم مجرمون لا يكفون عن سرقة ممتلكاتهم لبيعها وتوفير مستلزمات بسيطة تقيهم برد الشتاء و خطر الجوع بعدما عجزت الحكومات المتشبثة بقيم وحقوق الانسان والحيوان على حد السواء عن ايوائهم.
بينما يشتكي سكان كاليه من انتشار بيوت صفيحيه نصبها اللاجئون لتقيهم برد الشتاء قالوا انها شوهت سمعة المدينة و اساءت الى صورتها الشيء الذي جعل اعداد السياح الوافدين عليها تنخفض.. مما اسهم في تراجع انشطتهم التجارية.
يعيش هؤلاء في ظروف قاسية لا تليق بأخلاقيات الدول الاوروبية ، بينما يستغل قادة الاتحاد هذه القضية كأداة ضغط للتأثير في سياسات الاتحاد وما صنعه اعضائه من اتفاقيات ومعاهدات.
لا فرنسا اعطتهم الحق في عبور نفق المانش. ولا بريطانيا رحبت بهم، ولا جهة دولية ضغطت على الحكومتين لإعادة النظر في التجاهل الذي تنهجه كلاهما تجاه هؤلاء الهاربين من الموت والحالمين بجنة عرضها السموات والارض تقع ما وراء البحار سمعوا عنها يوما ما.
يفوح هذا المخيم بالآلف القصص التي تحمل كل منها معاناة اقسى من سابقتها ولا يكاد اللاجئ الواصل لتوه يصدق ان الجنة الموعودة هي في حقيقتها جحيم لا يطاق بزمهريرها وحرها.
* كاتبة مغربية - مقيمة بفرنسا