الحدث - آيات يغمور
جميلة هي الذكريات التي تعود بنا إلى مقاعد الدراسة، فبعيداً عن فترة الدراسة التي يراها كثيرون تتسم بنمطية سلطوية وديكتاتورية وبأساتذتها الذين كانوا يتسمون بصلابة الموقف وحسمه، ملتزمين بثقافة الطاعة العمياء وانعدام الحوار بين الطالب والمدرس، إلا أن هذا الأمر لا يمكن تعميمه فقد كان هنالك معلمات وأساتذة كان لهم مسار ونهج مختلف في تقاليد العملية التعليمية، فترك في نفوس طلابه وطالباته أثراً خلده في ذاكرتهم.
"معلمون متمردون" صفحة فيسبوكية، خرج بها أولئك الذين كانوا طلبة يوماً ما ليقصوا ما حملته ذاكرتهم عن أساتذة تمردوا على النظام التعليمي ذي الأساليب التقليدية، وابتكروا سبلاً أقرب إلى قلب الطالب وعقله، فاستحقوا أن يبقوا في الذاكرة، وأن تظل أسماؤهم حية في قلوب طلبتهم وعقولهم.
كتب أحد المشاركين، في "معلمون متمردون": أذكر في بداية الانتفاضة الثانية، كنت في الصف الخامس أو حتى السادس الأساسي، كان لدي أستاذ لغة عربية قومي، يطالبنا دوماً لحظة وصوله الصف الدراسي بمباشرة غناء تلك الأناشيد الوطنية التي نفتتحها بـ "بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدانِ ومن نجدٍ الى يمن إلى مصر فتطوان، ولا يكتفي بهذا القدر، فيدخل الصف ويضع كتاب العربية جانباً، ويشرع بالغناء متفرداً:
"أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدا...انتركهم يغصبون العروبة مجد الابوة والسؤدادا".
ولما علمت بأن ابنه كان شهيداً سقط في الاجتياحات، لم يكن مجرد معلم للغة العربية، كان ينقل لنا بعضاً من الانتماء المشبع بالقومية.
ملتقى نبض الشبابي، هو منشئ هذه الصفحة الجميلة، هدفها كما كتب عليها، تعزيز تربية الحرية والابداع والخيال من اجل تعليم أفضل في فلسطين، يبحث عن معلمين ومعلمات متمردين استطاعوا من خلال أمور بسيطة خلق آفاق ابداعية في المدارس والجامعات الفلسطينية.
وكتب آخرٌ عن ذلك المدرس المهيب، في مدرسة ذكور الدهيشة، الذي ما زال يحتفظ باحترامه لدى طلابه: ها أنا أراه صدفة في شوارع المدينة، فأشعر فجأة بضرورة ملحة لرمي "سيجارتي" لأصبح طالباً مجدداً، فأمد يدي بابتسامة طالب نجيب لا يعرف التدخين، ليست مخاوف طالب يحتفظ بذكريات أليمة فأسلوب هذا المدرس لم يكن بالعنف أبداً، بل كان وقع كلامه الحاد المباشر أكثر تأثيراً وأشد وقعة من "بربيج" ترك على أبدان الطلاب ذكرى أليمة موقعة باسم أستاذ يفضل البعض نسيانها.
وتقول مشاركة أخرى على الصفحة: "كانت عندي معلمة عمرها ما أعطت حصة بالصف، كانت تعتبر انو الطالب بكون محدود بالصف .. دايما كانت تخلينا ناخد الحصة برا يعني بالملعب او قاعة الرياضة بالبرد، على الرغم من معارضة المديرة بس ما كانت ترضى ... وما كانت تشرح من الكتاب لانو بتعتبر انو الطالب مو لازم يعتمد ع الكتاب فقط..لازم ينطلق بمادته ويعتمد الشرح والفهم ع الطالب عن طريق التعبير ...كانت تاخد الفكرة الرئيسية من الكتاب واحنا نعطي من عنا أفكار وشرح عليها وأحيانا اذا الفكرة ممكن تمثيلها كنّا نمثلها...ونلخصهم ومن تلخيصنا يكونو الامتحانات، وفعلا كانت علاماتنا معها ممتازة لانو كنّا نكتب شي فاهمنينو".
وتوضح إحدى المشاركات شخصية مدرسة تميزت بقدراتها في إمتاع طالباتها، متفهمة مرحلتهم العمرية التي تتطلب مزيداً من الجهد وكثيراً من الأساليب التي استطاعت أن تجعل من جدول الضرب لعبة ممتعة تتناسب مع طلاب أعمارهم لا تتجاوز ال 7سنوات.
بعيدة عن التلقين فكانت نشيطة في الفعاليات ومبتكرة للمخيمات الصيفية، فهنا لعبة الشطرنج، وتلك مسرحية، وهناك مسابقات عديدة جمعتنا بها خارج الإطار الأكاديمي المغلق، أعطتنا وقتاً إضافياً لم يكن له عوائد مادية في تلك الأوقات، محظوظة كنت بها وما زلت أشعر بالامتنان لوجودها في سنوات دراستي لتكون نقطة انطلاقة بناءة.
بعيداً عن الامتحانات ونظام الصواب والخطأ، كان أستاذي الجامعي وما زال، يعتمد على البحث العلمي حيناً والحوار وجلسات النقاش أحياناً أخرى، ليكون التقييم بعيداً عن التقليدية والمنهجية، بضع مقالات مركزية، الكثير من التحليل، والقراءة، مهارات اكتسبتها بعيداً عن الكتاب المفروض، لتكون العلامة أبعد ما أطمح له، فما اكتسبته لم يكن مجرد مساق جامعي، بل كان مهارات أستطيع الاعتماد عليها خارج الأسوار الجامعية.
تلك بعض من الآراء والذكريات في مدرسين بقوا فينا، تابعوا المزيد منها على صفحة "معلمون متمردون"، والتي يقول القائمون عليها: " شاركونا بأسماء ومواقف لهؤلاء المعلمين والمعلمات".