الحدث - كتب: أحمد زكارنة
سأستغل الهدوء النسبي وتقهقر العدو في غزة .. وسأعلن عن موعد صدور ألبومي الجديد “تجليّات” تباريح الوَجْد والثورة. بهذه الكلمات كانت قد كشفت للمرة الأولى الفنانة الفلسطينية “ريم بنا” عن نيتها إطلاق هذا العمل الفني الفريدة، في وقت حددته بدقة تحاكي الحالة العربية العامة في ذلك الوقت، ولأن التاريخ يعيد نفسه أحيانا بأشكال ونتائج أخرى، ومع تصاعد الهجمة الإسرائيلية سواء في غزة أو الضفة الغربية، وتغيير شكل الحال في المنطقة العربية على نحو يشبه لحظة اطلاق الألبوم إلى حد ما، جاء وقت الالتفات مجددا لهذا العمل الفني الذي لا يحاول أن يدعو إلى مذهب سياسي بعينه، قدر دعوته المباشرة إلى مذهب روحي يقوم على فقه معين ورياضيات صوفية تتحدث في شكلها العام عن الحب والحُرية والحنين والمنفى والتمرد وأيضاً عن الثورة.
هذا العمل الذي جاء بدعم من وزارة الخارجية النرويجية وجمعية صوت وصورة، وتكفّل بالإنتاج والتوزيع الموسيقي عازف البيانو العالمي الفنان النرويجي بوغي وزلتوفت. يتضمن هذا الألبوم 12 أغنية، ست منها صوفية وهي قصائد لرابعة العدوية، وابن الفارض، والحلاج، وابن عربي، أما بقية الأغاني فهي لشعراء عرب بينهم محمود درويش، وراشد حسين شاعر المقاومة الفلسطينية الذي اغتاله الموساد الإسرائيلي في السبعينيات من القرن الماضي، وبدر شاكر السيّاب، بالإضافة إلى قصيدة من كلمات المناضل التونسي عمارة عمراني الذي عانى ويلات التعذيب وقضى فترة من عمره في زنزانات السجون أيام حكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي. وتؤدي البنا قصيدته «الحرّ» في الألبوم باللهجة التونسية.
وتعتبر البنا “تجليات الوجد والثورة” تحدياً لمسيرتها الفنية، نظراً لأنه أول ألبوم تتولى فيه تلحين جميع القصائد، ويأتي متزامناً مع سقوط بعض الأنظمة (تونس، مصر، ليبيا، مُرجعةً سبب اختيارها هذا الشكل من الغناء، إلى أنها لا تبحث عن أغانٍ تحقق لها الشهرة، بل تركز كل اهتمامها على الأغاني التي تعبر عن مواضيع تنتصر للقضايا التي تشعر بأنها قريبة من روحها.
وأوضحت البنا أن هذا الألبوم هو الأول الذي تقوم فيه بعمل جماعي مع مجموعة من الموسيقيين من دول مختلفة، هي: فلسطين، تونس، النرويج، والهند، وكذلك مشاركة فنان الراب التونسي (مستر كاز) في قصيدة “الحرّ”.
بقى القول إن السفرَ طويلاً في هذا الألبوم، يأخذُ المستمعُ إلى عالمٍ بعيدٍ محلقٍ ما بين الإيقاعِ والرُّؤَى وتلكَ القصائدُ المعَتقةُ، حيث تلفهُ خيوطاً رفيعةً من الإلهامِ الذي يَشدُّنا إلى شواطئِ البيان لنَتشبثَ أو نَرسُو، فنهِيمُ شوقاً ولا نَصحُو، ونحنُ في معابدِ العُشاقِ والمُحبينَ، والأمراءِ، والخُطباءِ، والشّعراءِ، والسُّهادِ، والرُّواة..الحَدَاثيينَ، والجاهِليينَ.. الشِّيبِ، والشّبابِ، وكُلِ أصدقاءِ الحُبِّ بكل أسمائِهِ ومُسمياتِهِ منَ المحبةِ إلى إلى الهوى، إلى الصبوةِ، والصبابَةِ والشغفِ، والوجدِ، والعشقِ، والجوى، والشوقِ، والخلابةِ، والتباريحِ، والشجنِ، والسهدِ، والأرقِ، والحنِينِ، واللوعةِ، والفتونِ، والجنونِ، والداءِ المُخامرِ، والوُد والغرامِ، والهُيامِ، والتعبدِ، وكُلُ منْ صفَّ حروفَ اللغةِ، كلاماً مُتيماً في التَجلي والتباريح.