أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر*
أستاذ ال
يبدو أن ديماغوجية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس لها حدّ، بمعنى أنه يقول ويعمل أي شيء لدعم قبضة اسرائيل على الضفة الغربية باسم الأمن القومي الإسرائيلي. وجاء نتنياهو هذه المرة بفكرة سخيفة أخرى إذ يقترح، كما ذكر، "خطة متعددة السنوات لتطويق إسرائيل بحواجز أمنية لحماية أنفسنا في الشرق الأوسط الحالي والمتوقّع مستقبلا ً."
لقد ذهب نتنياهو إلى حدّ القول:" بأنّنا في منطقتنا بحاجة لحماية أنفسنا من الحيوانات البريّة". وحسب معرفتي بنتنياهو والمشاعر التي يكنّها تجاه الفلسطينيين، فلا غرابة عليه أن يستخدم لغة تحريضية غير مألوفة حيث أنه يرى كل فلسطيني كإرهابي متوحّش.
ومن الواضح من كل ما نعرفه أن الغرض من بناء مثل هذا الجدار الذي يمر عبر جزء كبير من الأراضي الفلسطينية هو جعل مصادرة الأراضي الفلسطينية دائمة.
وفي الوقت نفسه يستمر نتنياهو في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وأكثر من المرجّح بأنه سيبني مستوطنات جديدة، هذا في الوقت الذي سيضع فيه أكثر من 10،000 جندي لحماية المستوطنين، وذلك لضمان ألاّ يتمكّن الفلسطينيون أبدا ً (تحت سمعه وبصره) من إقامة دولة خاصة بهم. بالطبع، كل هذا باسم الأمن القومي الإسرائيلي.
نتنياهو يعرف جيدا أنه لا يوجد سياج، مهما بلغ ارتفاعه وبغض النظر عن المواد المصنوع منها، يثني إرهابي عن عزمه في إيجاد وسيلة لاختراقه.
صحيح أنّ نتنياهوسيدخل أحدث التقنيات للكشف عن أية محاولة لاختراق الجدار. ومع ذلك، يبدو أنه تجاهل حقيقة أن المقاتلين الفلسطينيين أتقنوا فنّ بناء الأنفاق التي من خلالها لا يزال المقاتلون قادرين على شن هجمات ضدّ المدنيين الإسرائيليين أو الأفراد العسكريين، حتى على حساب تعرضهم للقتل في هذه العملية.
وجّه نتنياهو لنفسه في مسألة الأنفاق هذا السؤال، قائلا: "إذا كنت تفكر في إقامة سياج هناك، عليك أن تأخذ بعين الإعتبار أنّ بوسعهم حفر نفق تحته. فالناس الذين يقولون أنه لا توجد أهمية للإحتفاظ بالأراضي في العصر الحديث، يجب أن يذهبوا إلى غزة ".
إذن دعونا نذهب الى غزة، ماذا سنجد؟ سنجد حماس وقد تمكنت من بناء عشرات الأنفاق تحت السياج الذي يفصل قطاع غزة عن إسرائيل، وأنها إستطاعت بنجاح التحرّك من خلال الأنفاق ومهاجمة القوات الإسرائيلية والمدنيين.
وعلى الرغم من أن القوات الإسرائيلية عثرت على العديد من هذه الأنفاق خلال عملية الجرف الصامد في يوليو 2014 ودمرت معظمها، غير أنّ حماس الآن تعمل على بناء أنفاق جديدة، مدركة ً أنه لا يهم ما ستتخذه إسرائيل من تدابير أمنية، فإنها لن تجد جميع الأنفاق. حماس لا تزال في موقف يمكنها من اختراق السياجات هذه من خلال الأنفاق تحتها إذا ما اختارت الحكومة الإسرائيليّة بناءها.
يبدو أنّ نتنياهو يتجاهل أيضا ً حقيقة أنّه لا يوجد أي سياج، مهما كان متطوراً، قادر على أن يوقف الصواريخ من الإنطلاق على اسرائيل. وخلال تلك العملية نفسها، التي أطلقت إسرائيل عليها "عملية الجرف الصامد"، كانت حماس قادرة على إمطار أكثر من 3000 صاروخ على إسرائيل وصل الكثير منها المناطق الحضرية في إسرائيل وتسبّب بدمار هائل. صحيح، تم اعتراض معظم هذه الصواريخ، ولكن لم يكن هذا بفضل السياج الذي اعترض هذه الصواريخ ولكن نظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية"، مما يدل على عدم فعالية الجدار العازل.
ويبدوأنّ نتنياهو يتجاهل حقيقة أخرى في شمال إسرائيل على طول الحدود مع لبنان، حيث أصبح حزب الله يمتلك عشرات الآلاف من الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى المتطورة والتي يمكن أن تصل تقريبا ً إلى أيّ جزء من إسرائيل. وقد يتساءل المرء أي نوع هذا من السياج الذي يعشعش في دماغ نتنياهو يمنع حزب الله من إطلاق عشرات من هذه الصواريخ في وقت واحد؟ بالطبع، نتنياهو لم يتحدث عن حزب الله في لبنان، لأنه ليس لديه خطط لاحتلال أي جزء من لبنان.
وفي رد فعل على خطط نتنياهو لبناء الجدار الذي يطوق إسرائيل، صرّح أحد شركائه في التحالف الرئيسي، وزير التعليم نفتالي بينيت الذي يعتبر أكثر تطرفا ً حتى من نتنياهو نفسه، قائلا ً: "تحدّث رئيس الوزراء اليوم حول حاجتنا للأسوار. نحن نلفّ أنفسنا بالأسوار. هل هناك في أستراليا ونيو جيرسي حاجة للأسوار ؟".
هذا التعليق جاء من فرد شرير وخطير. بينيت ليس ضد الجدار لأنه يشعر بأن الجدران لن تكون فعالة، ولكن لأنه يعتقد أن كلّ الضفة الغربية تابعة لإسرائيل. ولو أتيحت له الفرصة، لقام بضم اجزاء كبيرة من الضفة الغربية في الحال، فلماذا بناء جدار في الأرض التي تملكها إسرائيل؟
نتنياهو لم يكن ملتزماً أبدا ً بحل الدولتين، ويستخدم هبّة العنف الحالي، ما يسمى ب "إنتفاضة السكاكين"، كذريعة لتشديد قبضة اسرائيل على معظم الضفة الغربية. وترى خطته إقامة كانتونات صغيرة للفلسطينيين حيث يمكنهم ممارسة نوع من الحكم الذاتي، في حين تبقى هذه تحت العين الساهرة لقوات الأمن الإسرائيلية.
ويتمثل جزء كبير ممّا يعطي نتنياهو الترخيص ليفعل ما يريد هو للأسف شعور الجمهور الإسرائيلي بالرضا، ذلك الجمهور الذي سقط في فخ كذبة الأمن القومي التي يستخدمها نتنياهو ببراعة فائقة لنشر الخوف والفزع بين الإسرائيليين.
لقد غسل نتنياهو وبنجاح أدمغة غالبية الإسرائيليين ليعتقدوا بأن الفلسطينيين يشكلون خطراً حاليّا ً ووشيكاً ويجب التعامل معهم ليس كبشر يستطيع المرء أن يتفاهم معهم بشكل ٍ عقلاني، ولكن كوحوش كاسرة عقدت العزم على تدمير إسرائيل بدلاً من التعايش معها.
ووصفة نتنياهو لذلك كما ذكر آنفا ً هي "...إحاطة دولة إسرائيل كلها بسياج أو بحاجز"، وهذا يعني بناء سجن كبير لجميع الإسرائيليين.
فبدلاً من مدّ يده للفلسطينيين والمجتمع الدولي بأسره للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، فإنه يسعى الى تحويل اسرائيل الى حامية عسكرية ودولة فصل عنصري (أبارتهايد) مكروهة، مُزدراة ومعزولة عن المجتمع الدولي.
وأتساءل ما عسى مؤسّسو دولة إسرائيل أن يقولوا في ذلك، وهم الذين كانوا يحلمون بدولة يهودية عادلة، دولة تتحلّى بالقيم الأخلاقية، دولة تقدمية ورحيمة، لو كان بمقدورهم مشاهدة هذا الإنحطاط الأخلاقي لما يسمّى نفسه زعيم دولة الذي يحطم حلمهم النبيل ويعرّض وجود إسرائيل للخطر.
علاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
* ترجمة المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي - بيت ساحور- www.pcpo.org