الحدث- جميل عليان
أصبح معروفا لدى المعنيين في فلسطين التاريخية كلها، أن عليهم اجتياز أزقة نابلس القديمة، للعثور على آخر صانع قباقيب، في الضفة الغربية.
هناك يجدون رجلا جديا في جلسته والكثير من قطع سيقان شجر الصنوبر، المرصوفة أمام واحد من أقدم المحلات في البلدة القديمة.
ويلاحظون أيضا كيف تنحت الأخذية الخشبية من الشجر.
والصناعة التي عرفت خلال القرون الماضية، بشكل واسع على امتداد شمال إفريقيا، وبلاد الشام، توشك على التلاشي نهائيا، لكن هنا في نابلس، يواصل وليد خضير صناعة بدأتها عائلته قبل عقود في مدينة اللد، قبل أن يهاجروا منها عشية نكبة عام 1948.
ونابلس، واحدة من ثلاثة مدن عرفت صناعة النعال الخشبية إضافة إلى كل من القاهرة ودمشق، وفي المدن الثلاثة تهاوت الصناعة حتى تكاد تتلاشى هذه الأيام.
لكن خضير سليل العائلة المعروفة بنحتها الخشب يحافظ علي هذه الصناعة.
ومع دخول أصناف مختلفة من النعال البلاستيكية والأخرى؛ أصبحت الصناعة التي أثارت الجدل تاريخيا محدودة جدا في كبريات المدن، وارتبطت بقطاعات مختلفة من الناس.
في نابلس ذاتها، يصنع عدد محدود من القباقيب لاستخدامه في "الحمامات التركية".
واقفا إلى جانب قطع من الخشب المعد للتقطيع قبل نحته نعال خشبية، قال خضير إن الصناعة التي تعملها من والده وأجداده "لم تنقطع لكنها تراجعت بشكل كبير".
وكثير من الصناعات التقليدية في المدينة التي كانت تعتبر عاصمة الاقتصاد الفلسطيني تراجعت بشكل كبير بسبب التحولات الاجتماعية، ونمط الحياة.
وليس معقولا اليوم ارتداء القباقيب في شقق سكنية مبنية فوق بعضها البعض، ذلك أن ارتداء القبقاب يصدر صوتا قويا أثناء الحركة ويتجاوز جدران المسكن الواحد.
لكن تسويق قباقيب خضير الذي يدعوه الجيران أبو خالد تتجاوز حدود نابلس، حتى تصل إلى شمال فلسطين التاريخية، حيث يعمد تجار من هناك إلى شرائها وتسويقه.
وكانت عائلة خضير بدأت الصناعات المرتبطة بالأخشاب في مدينة اللد قبل هجرتهم عام 1948، وانتقلت هذه الصناعة مع العائلة إلى نابلس، مثل كثير من الصناعات التي انتقلت مع الصناع الذين هجروا من مدنهم وقراهم.
وقال خضير إن منجرة العائلة انتقلت مع العائلة إلى نابلس.
لكن صناعة القباقيب المعروفة في التاريخ العربي، واحدة من الصناعات التي ابتعد عنها الصناع، بسبب عزوف سكان بعض الدولة العربية عن استخدام النعال الخشبية.
وأضاف خضير فيما كان ينحت نعالا جديدة من الخشب "هنا يمكن الحصول على قباقيب جيدة". وفي المنجرة يمكن ملاحظة قطع من البلاستيك المقوى التي توضع فوق النعال الخشبية.
ويقول خضير إنه صنع في حياته آلاف القباقيب الخشبية.
ومثلما انتقلت الكثير من الصناعات في المدينة التي عرفت بأنها عاصمة فلسطين التجارية، انتقلت أيضا صناعة القباقيب بالوراثة، خضير الذي تعلم كيف ينحت النعال بمقاسات موحدة يعلم المهنة الآن لابنه أحمد ابن (12 عاما).
وقال "يستطيع أحمد الآن صناعة القبقاب بشكل جيد". إن القباقيب التي تصنع الآن تأخذ الشكل الشامي، وعرفت دمشق بصناعة القباقيب، لكن الآن عدد قليل من الصناع ما زالوا يمتهنون المهنة ذاتها.
وتعرف دمشق بأنها واحدة من أشهر المدن العربية التي اشتهرت بصناعة القباقيب، وكان فيها سوق مخصصة قرب الجامع الأموي يعرف بسوق القباقبية، تصنع فيها المنحوتات الخشبية.
ونابلس التي تعرف بدمشق الصغرى تحفل بعدد من الحمامات التركية مثل دمشق الشامية، ويلجأ مالكو الحمامات إلى شراء القباقيب لاستخدامها من قبل الزبائن.
لكن يمكن ملاحظة بعض الزبائن يأتون بشكل فردي إلى منجرة خضير لشراء قباقيب، وتمر صناعة القبقاب بعدة مراحل من تقطيع الخشب ونحته حتى وضع شريط من البلاستيك المقوى حوله.
وتظهر أمام المنجرة أكوام من سيقان الأشجار المعدة للتقطيع. قائلا خضير الذي يقف في ذات المحل منذ العام 1948 إن هذه الأخشاب ستحول لاحقا إلى قباقيب.
إضافة إلى القباقيب ما زال وليد يصنع أسرة خشبية للأطفال اختفت في عصر الصناعات السريعة المستوردة مثلما تختفي رنة القبقاب الآن الذي أعاد له الممثل السوري الشهير دريد لحام اعتباره وعرف في الدراما العربية بقبقاب غوار.
والقبقاب الذي يتلاشى من التاريخ الحديث، كان اقتحم التاريخ البعيد بقوة، فشجرة الدر زوجة الملك الصالح ماتت حسب روايات شهيرة قتلا بالقبقاب.