الحدث - آيات يغمور
بالنظر إلى دراسة حديثة جاءت تحت عنوان: "الطلاب وأجهزة الكمبيوتر والتعلم، إجراء الاتصال"، والصادرة عن مؤسسة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والمنشورة على موقعها الإلكتروني، فإننا نستطيع قراءة نتائج التحصيل العلمي لطلاب من 32 دولة شاركوا في هذا الاختبار الذي قارن ما بين أداء طلابهم الذين يعتمدون على الحواسيب بشكل مكثف، وأولئك الذين يستخدمونه باعتدال، وآخرون نادراً ما يعتمدون عليه في دراستهم، لتكون النتائج في مجملها كالآتي بحسب ما يرد في نص الدراسة:
"إن أداء الطلبة الذين يستخدمون الحواسيب في حصصهم الدراسية بطريقة معتدلة جاءت نتائج تحصيلهم الأكاديمي أفضل من الذين يستخدمونه نادراً، ولكن نتائج الطلبة الذين يستخدمونه بشكل دائم جاءت أسوأ بكثير من الذين يستخدمونه نادراً! "
أي أن النتائج الفضلى كانت من نصيب الطلبة الذين يستخدمون الحواسيب باعتدال، ومن المفاجئ أن نتائج الطلبة البعيدين عن الحواسيب في دراستهم كانت أفضل من تلك الملازمة للطلبة في حصصهم، وهو مؤشرٌ على ضرورة التريث في استخدام التكنولوجيا واتخاذ القرارات السريعة في إدخالها إلى حياة أبنائنا.
واعتمدت الدراسة على إجراء مقارنة تحليلية حول المهارات الرقمية والبيئة التعليمية المخصصة لتطوير هذه المهارات، مشيرة إلى جملة مهمة "نحن ندرس أطفالنا ليصبحوا مستخدمين ناقدين للوسائل الإعلامية" ، في إطار تطويع التكنولوجيا بما يخدم ويفيد كل مرحلة تعليمية بظروفها وأساليبها.
وخرجت هذه الدراسة بحقيقة فحواها: مدارسنا تتخلّف كثيراً وراء وعود التكنولوجيا.
ومن النتائج الأساسية التي استنتجتها الدراسة، عدم وجود تقدمٍ حقيقيٍ في إنجازات حسابية رياضية، أو في النواحي العلمية، أو حتى في المهارات المتعلقة بالقراءة.
ومن أكثر الاستنتاجات تخييباً للآمال، حسب ما جاءت بها الدراسة، أن التكنولوجيا زادت من رقعة الفجوة بين الطلاب الأكثر حظاً والأقل حظاً، فهي لا تساعد أصحاب المهارات الرياضية والعلوم في تطوير أنفسهم، الأمر الذي يحسب سلباً على التكنولوجيا التي عجزت عن خلق فرص متساوية بين الطلبة في تطوير أنفسهم.
ولعلنا ندرك جيداً في مجتمعتنا العربية، والفلسطينية على وجه التحديد، بأن امتلاك التكنولوجيا لم يصبح أساسياً بعد، ولا زال اعتمادها من أمور الرفاهية التي يمتلكها البعض، ولعل استخدامها أيضاً لم يصبح فاعلاً قط، ويقتصر على الترفيه وألعاب إلكترونية، ولم تصبح ناضجة بعد.
وتطرقت الدراسة أيضاً إلى مفرزات التكنولوجيا السلبية، تلك التي تثير في الطالب جوانب فقدان الاهتمام، بساعات الدوام، فهناك الاستنتاج الذي يفضي بأن الطلاب الذين يقضون ما معدله 6 ساعات أمام حواسيبهم الإلكترونية، يصلون إلى مدارسهم متأخرين أو يكثرون من التغيب ويكتفون بالجلوس في المنزل مع شعورهم بـ "الوحدة".
ولم تغفل الدراسة عن دور المعلمين، الذين من الأولى بهم أن يلعبوا دور الموجه لطلابهم، فمن الأجدى بهم أن يكونوا والتكنولوجيا متوافقين، يمتلكون مهاراتها ليستطيعوا استعمالها، بل وإتقانها، ليكونوا حراساً لأبوابها، مانعين الطلبة من ارتكاب هفواتها وأخطائها التي تتراوح بين النصب والاستغلال والوقوع ضحايا التنمر والابتزاز الإلكتروني.
صعوبات.. عقبات.. ومبالغات تكنولوجية !
وتؤكد الدراسة التي شملت 32 دولة، على وجود حاجة لإحداث تفاعلٍ أقوى بين الطالب والمعلم، ذاكرةً تفسيراً آخر لسوء استخدام التكنولوجيا وضعف كفاءتها في خدمة التعليم، ألا وهو "إننا لم نصبح جيدين كفاية من الناحية التربوية ولم نتمكن من أساليبها، لكي نستحضر التكنولوجيا ونعتمدها كأسلوب تدريسي".
وتوضح الدراسة أن الطريقة الأفضل التي يصبح طلبتنا من خلالها أذكى من الهواتف الذكية، هي عبر إعادة النظر بالأساليب التربوية التي نعتمدها.
وحسب الدراسة ونتائج اختباراتها، فإن التكنولوجيا يمكنها أن تطور وتضخم التعليم، لكنها لا يمكن أن تحل مكان التعليم الضعيف في بنيته.
وتعتقد الدراسة بأن هناك مبالغة جماعية، زاودت في تقديراتها فيما يتعلق بالمهارات الرقمية للأساتذة ولطلاب في آن واحد، مدركة أن إيجاد الصلة بين الطلاب وأجهزة الحاسوب والعملية التعليمية، ليست بهذه السهولة أو الصعوبة.
وبعد التطرق إلى الدور التكنولوجي الذي لا يمكن وصفه بالسلبي بقدر سوء استخدامه وعد امتلاك مفاتيحيه أو حتى تطويعه لخدمة العملية التعليمية، إلا أن الدراسة لم تغفل عن ذكر الدور المهم الذي تحتله التكنولوجيا في تعزيز التعليم التجريبي، بما يشمله من نظام المختبرات التفاعلية.