الأحد  24 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

شهادة في ديوان الرابعة فجرا في السوق

2016-02-16 10:21:30 AM
شهادة في ديوان الرابعة فجرا في السوق
طارق العربي

 

بقلم: نصر جميل شعث

أواخر سنة 2010 حدث في الساحة الصحافية الثقافية الفلسطينية شيء هامّ وجميل، تمثل في مشروع نقد عملي بسيط وعميق؛ جلب له صاحب الفكرة، الشاعر معن سمارة، عنواناً من السوق. فكانت "بسطة كتابة" التي هدفت إلى تقريب الأصوات الشعرية الفلسطينية الشابة إلى القارئ؛ طمعاً في النزول بالشعر إلى الناس. تبّنى الملحق الثقافي لجريدة الأيام الفلسطينية "بسطة كتابة" ، فأفرد لها المحرّر الثقافي مساحة كريمة من صفحات الملحق.

 

حيث قدّم الشاعر معن سمارة، بحسّه الجادّ والمثابر والمسؤول، عشرات الشعراء والشاعرات للقرّاء في حلقات متتالية أسبوعياً. فجأة انقطع سمارة عن تقديم حلقاته، لأسباب يجهلها كاتب هذه السطور.

 

كان مشروع معن سمارة استجابة فردية كاملة، واندهاشاً حقيقياً، جاءت بالتزامن مع تدفّق أصوات كثيرة جديدة ظهرت في أفق التوقع من كل مكان على امتداد الجغرافيا الفلسطينية. تلك الأصوات التي منحت، ومازالت، الأفقَ رُتباً عالية من الشعرية الغنية بجدّتها واتساعها وتنوعها وبتلويحات أغصانها التي تصافح إلى الآن غيوماً كثيرة تشير إلى استئناف كرنفال الشعر الفلسطيني لئلا أقول "مهرجان" لاحتواء كلمة "كرنفال" حسّاً شعبياً وطقسيّا زاخراً ومبهجاً ينأى عن الطابع الرسمي، وفرصة لإعادة الاعتبار إلى شعر المهمّشين عبر حضورهم الثمين في "بسطة" معناها القريب ككلمة دارجة ومتداولة إنما كان يستهدف - فيما يحيل الاسم على مدلول شعبي ويوميّ- نشرَ نبض الشعراء الشباب في حيّز ورقيّ كان استعارَ الشاعر سمارة مفردة عنوانه من الرصيف.

 

تعرّفت إلى قصائد الشاعر طارق العربي (نابلس، 1984) عبر ما نُشر له في الحلقة الأولى من "بسطة كتابة" في جريدة الأيام، وعبر موقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك".

 

اعتقدت، في البداية، أن صاحب "الرابعة فجراً في السوق" مركّبٌ ومستعار من إيقاع "أحمد العربي" عند محمود درويش. كان طارق العربي قد دفع، مراراً، بعد ذلك بعدد من قصائده إلى جريدة "الأيام" الفلسطينية، وقرأتها في حينه قبل إصدار ديوانه الأول. كانت قصائد العربي غزيرة وبنفس واسع، وفيها بذور أو جذور تَشبّ شعراً.

 

رافق نشر العربي لقصائده سجال على الصفحة الخاصة بالقاص الفلسطيني زياد خداش على الفيسبوك، فكتب خداش نصيحة على الملأ إلى طارق العربي يدعوه فيها لضرورة الحذر من تصفيق القراء، و للذي شبّ كفضيحةٍ إيجابية في بدايات تجربته، مشيراً إلى حاجة العربي ليخلّص صوته من أصداء درويش المتلاحقة والمتصاعدة.

أنا أيضاً سمعت درويش واضحاً. ولكنني لم أعتبر هذا مثلبة، إلى حد ما، لأنّ جيوشاً من عشاق الأرض وشعراء مكرسين تأثروا وما زلوا بدرويش. جاء طارق العربي ليسير على طريق الشعر بتلك الترددات الإيقاعية عند الشاعر غسان زقطان أيضاً. لا أقصد بالترددات الإيقاعية تلك الآتية من موجات بحور الشعر العربي "تفاعيله"، ولكن البناء والتراكيب الداخلية.

لكن لطارق العربي حظ الشعر بتجاوز الوقوف على التقنيات التي انطلق منها في تفتح الموهبة. والذي شدّني كثيراً في التقائي الأوّل مع قصائد طارق العربي كان ومازال "سيولةٌ" جوهرية في نفَس لحوح في حنينه وقدومه كل مرة من عاطفة اجتماعية، أي لا تجريدية، ولا تستهدف المجاز، بحد ذاته، كغاية يصيبها فيرضى، على نحو فني، عن صنيعه وحسب!

قلق طارق العربي هو قلق عاطفة اجتماعية ويومية في لبُوسٍ غراميّ.

يحلو له، مرات، أن يحيط تلك العاطفة بفضاء تاريخي، وبصحارى سماوية تشير إلى الجفاف مرة، ومراراً إلى تزاحم أصدائه وتواترها وهو ينادي على الأنثى.