الحدث - وكالات
نشرت صحيفة لوبوان الفرنسية تقريرا حول الجدل الدائر في إسرائيل، على أثر صدور قرار بالسماح بإنشاء منطقة مختلطة قبالة حائط البراق في المسجد الأقصى، لأداء الصلاة للنساء والرجال، في ظل انقسام كبير في إسرائيل وجدل سياسي وديني بين المتشددين والليبراليين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الحكومة الإسرائيلية صوتت بالأغلبية على قرار إنشاء مساحة مختلطة قرب حائط البراق، بعد سنوات من المماطلة والتأجيل، وهو ما اعتبره أنصار التيار اليهودي الليبرالي "تسوية تاريخية وخطوة عملاقة نحو المساواة بين كل التيارات اليهودية".
ونقلت الصحيفة موقف الحاخام ريتشارد جاكوبز، الذي يتزعم الحركة اليهودية الإصلاحية في الأمريكية، الذي قال: "في الماضي كانت العائلات التي تأتي لزيارة حائط المبكى تضطر للتفرق، حيث يذهب الرجل للجزء المخصص له، والمرأة للجزء المخصص للنساء، ولكن من هنا فصاعدا سوف يكون هناك خيار ثالث، وهو أن يمارس جميع أفراد العائلة الصلاة في مكان واحد".
وذكرت الصحيفة أن هذا القرار قوبل بترحيب كبير من جمعية "نساء الحائط"، التي دأبت على المطالبة بهذا القرار، والتي تنظم منذ 27 سنة صلاة جماعية للنساء قرب حائط البراق مع مطلع كل شهر عبري، حيث يقمن خلال هذه الصلاة بتلاوة التراتيل بصوت مرتفع، مع تغطية الرأس وحمل نسخ من التوراة في أيديهن، وهو ما يعتبره اليهود المتشددون من الجنسين إهانة لهم واستفزازا، ويردون عليه برمي القوارير واستعمال العنف، وعادة ما تنتهي هذه المواجهات بعمليات اعتقال تقوم بها الشرطة، ولذلك اعتبرت جمعية نساء الحائط أن قرار الحكومة انتصار لهن، واعتراف بالمساواة التامة للمرأة أمام "الكوتيل" (الحائط).
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا القرار الذي رحبت به عدة جمعيات ومنظمات يهودية، أدى لانقسام في المجتمع اليهودي، وأثار جدلا كبيرا، فيما قوبل من قبل آخرين بالترحيب الحذر، حيث قالت جولي شونفيلد، نائبة رئيس مجلس حاخامات اليهودية التقليدية، إن "هذه الخطوة مهمة، ولكن في انتظار تكريسها، حيث إن هنالك عدة عقبات تواجه إنشاء هذا الفضاء المختلط، والحكومة الإسرائيلية لم تبدأ بعد في أي خطوات عملية لإنجازه".
وأشارت الصحيفة في هذا السياق إلى أن هنالك عدة عقبات تقف في طريق إنجاز هذا المشروع، من بينها مسألة التمويل، حيث إن الميزانية الأولية التي تم تقديرها لإنجازه تصل إلى ثمانية ملايين يورو، ولكن مكتب رئيس الوزراء ووزارة المالية ووزارة الإدماج والوكالة اليهودية، وهي الجهات المسؤولة عن ضخ هذه المبالغ، لم تقم بأي خطوة في هذا الاتجاه إلى حد الآن.
كما تحدثت العضو المستقيلة من جمعية نساء الحائط، كمونة شمعوني، عن تسييس هذه المسألة وخضوعها للمزايدات، حيث قالت: "في نظري جمعية نساء الحائط أخذت منحى سياسيا أكثر من المنحى الروحي في الآونة الأخيرة، والتطورات الأخيرة استفاد منها التيار الليبرالي والتيار المحافظ في الوقت ذاته، بما أن الليبراليين سيحظون بمساحة حرة لتأدية الصلاة كما يريدون، بينما سوف تصبح سيطرة المتشددين على بقية أجزاء الكوتيل رسمية ومقننة، بعد أن كانوا يسيطرون عليه بسياسة الأمر الواقع".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الموضوع أدى إلى انقسامات سياسية وتوتر بين المعارضين والمرحبين بهذا القرار، حيث تقول كمونة شمعوني: "إن اليهود المتشددين، بمن فيهم من هم من خارج التيار الصهيوني، يناصبون مشاعر العداء للتيارات الليبرالية اليهودية".
ومن بين الوزراء الخمسة الذين صوتوا ضد هذا القرار، ثلاثة ينتمون إلى الأحزاب المتشددة الأشكناز والسفارديم، كما أن الوزير الرابع ينتمي لتيار صهيوني تابع لحزب البيت اليهودي المساند لسياسة الاستيطان، والذي يقوده "نفتالي بينيت".
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات نارية أدلى بها رئيس لجنة الشؤون المالية في البرلمان، المنتمي للحزب اليهودي الأشكنازي "يهودية التوراة"، الذي رفض الاعتراف بقرار الحكومة، ووصف اليهود الليبراليين بأنهم "مجموعة من المهرجين الذين دنسوا قدسية التوراة".
وصرح نائب وزير التعليم، المنتمي هو أيضا لحزب يهودية التوراة، بأن "النساء الناشطات في جمعية نساء الحائط يجب رميهن للكلاب".
واعتبرت الصحيفة أن هذه المسألة التي كانت في البداية دينية متعلقة بالسماح للنساء بالصلاة مثل الرجال قبالة حائط البراق، تحولت اليوم إلى مسألة سياسية بحتة، يسعى من خلالها اليهود المتشددون إلى المحافظة على سيطرتهم على الديانة اليهودية في إسرائيل، ويسعى أيضا الحاخامات الإسرائيليون إلى المحافظة على علاقاتهم مع يهود الولايات المتحدة، دون نسيان المصالح السياسية لرئيس الوزراء بنيامين ناتنياهو، الذي بتبنيه لهذا القرار يسعى إلى مسح خلافات الماضي، ونيل رضا اليهود الأمريكيين الليبراليين الذين وجهوا انتقادات كبيرة لسياساته.
ورأت الصحيفة أن هذا النصر الذي حققه اليهود الليبراليون، جاء بصعوبة وأجج خلافات عديدة، فيما لا تزال المشكلات الدينية الأخرى عالقة وخاضعة لخلافات سياسية، على غرار الخلاف بين رجال الدين اليهود والحاخامية الإسرائيلية الكبرى حول مسائل مثل الزواج واعتناق الديانة اليهودية.