الإثنين  25 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

" الحرب في سوريا.. الخطوط الحمراء والرَّماديَّة "/ بقلم: رائد دحبور

2016-02-16 10:28:28 AM
رائد دحبور

كلٌّ له خطوطه الحمراء في سوريا الّتي يُعلِنُ أنَّه لا يمكن تجاوزها بما فيهم إسرائيل بطبيعة الحال، هذا ما ينضح من تصريحات وزير الدِّفاع الإسرائيلي " موشيه يعلون " التي أدلى بها على هامش مؤتمر ميونخ للأمن الدَّولي الذي عقد في مدينة ميونخ نهاية الأسبوع الماضي والَّذي اضَّطَلَعَ بالدَّعوةِ لتطبيق وقفٍ لإطلاق النَّار في سوريا، حيث أعرب وزير الدِّفاع الإسرائيلي عن تشاؤمه حيال مسألة تطبيق وقف لإطلاق النَّار بين أطراف النِّزاع المسلَّح هناك، مُضيفاً أنَّه يتبلور الآنْ مستوىً من التَّفاهمات والتَّعاون الاستراتيجي بين إسرائيل ودول الخليج حيال الأوضاع في سوريا تحديداً وعلى سبيل المثال، وكذلك يتبلور مستوىً جديداً من العلاقات العميقة بين إسرائيل وبعض الدَّول الإفريقيَّة، وكل ذلك وبحسب تصريحات موشيه يعلون لا يمكن الحديث حياله إلى وسائل الإعلام بشكلٍ تفصيلي وعلني بل يجري في الغرف المغلقة.

إِذنْ إسرائيل لها خطوطها الحمراء – الَّتي تتقاطع مع خطوط بعض دول المنطقة الدَّاعمة للمجموعات المسلَّحة التي تقاتل الجيش السُّوري على الأرض- وقد عبَّرتْ عنها إسرائيل في غير مناسبة عمليَّاً من خلال تدخُّلها عبر الغارات الجويِّة المتعددة التي شنَّتها على مواقع الجيش السُّوري خلال السَّنوات الماضية من عمر الحرب في سوريا، وليسَ آخرها ما قد أشار إليه ضمناً وزير دفاعها على هامش مؤتمر ميونخ من قلق وتشاؤم إسرائيل حيال انتهاء النِّزاع هناك.

وتركيا لها خطوطها الحمراء وكذلك السعوديَّة، وخطوط تركيا هناك تتمثَّل بضرورة عدم إشراك الأحزاب الكرديَّة في الحل السياسي وفي تحديد مستقبل النِّظام السِّياسي في سوريا وفي ضمان دورها الأمني والسِّياسي وضمان مستقبل استثماراتها الاقتصادية في شمال سوريا بما في ذلك حصَّتها في مستقبل خطوط إمدادات الغاز، وبما في ذلك أيضاً ضرورة رحيل الرئيس بشَّار الأسد، وتتقاطع خطوط السعوديَّة الحمراء تماماً مع خطوط تركيا في مسألة مستقبل النِّظام السُّوري ومستقبل الرَّئيس بشَّار الأسد، وتُعلي السُّعوديَّة الصَّوت فيما يتصِل بنجاح الحملة العسكريَّة الرُّوسيَّة وبطبيعة الدَّور الذي تلعبه إيران في دعم بقاء النِّظام السُّوري؛ مِمَّا تعتبره تهديداً لمكانَتِها ولدورها في المنطقة مستقبلاً، ويتم تفسير تلك السِّياسات التركية والسعوديَّة في سوريا عبر وسائل الإعلام بدالَّة ضرورات الحرب على داعش – ويجدرُ هنا التَّذكير أنَّ التخطيط لإمضاءِ السياسات يتضمَّن أيضاً جانباً يتعلَّق بتفسيرها إعلاميَّاً ودعائيَّاً على نحوٍ يتضمَّن مقداراً كبيراً من التَّدليس وتمويه الأهداف الحقيقيَّة – فتبدو المعادلة التركيَّة السُّعوديَّة على النَّحو التَّالي: هزيمة قوى المعارضة المسلَّحة في سوريا على يدِ الجيش السُّوري بدعمٍ روسي إيراني بما فيها هزيمة داعش يعني بقاء بشَّار الأسد، وهزيمة بشَّار الأسد على يدِ داعش يعني سيطرتها على قوى المعارضة الأخرى المدعومة بشكلٍ علنيٍّ تركياً وسعوديَّاً، وغنيٌّ عن القول أنَّ جملة من الدَّعم اللُّوجستي بما في ذلك تدفُّق المقاتلين الذي تحظى به داعش في سوريا والعراق يمرُّ عبر الحدود التركيَّة ويأتي ضمن تسهيلاتٍ سعوديَّة.

ولسوريا وروسيا وإيران وحزبِ الله خطوطهم الحمراء أيضاً، ودون تلك الخطوط يقاتلون ويحقِّقون نتائج ملموسة وحاسمة على الأرض خصوصاً في الآونة الأخيرة، وهي خطوط تتنافر وتتناقض مع الخطوط الحمراء لكلٍّ من إسرائيل وتركيا والسُّعوديَّة.

للولايات المتَّحدة كذلك خطوطها الَّتي تبدو رماديَّة أكثر من كونِها حمراء فاقعة كغيرها – وهذا ينسجم مع برغماتيَّة السِّياسات الأمريكيَّة هذا من جانب، ومع رؤية الإدارة الأمريكيَّة لمستقبل النِّزاع في سوريا وتقديراتها الاستراتيجية لذلك بما فيه رؤيتها لطبيعة الدَّور الرُّوسي وضمن مناخ وشروط الحديث المباشر المفتوح بين الطَّرفين الرُّوسي والأمريكي في بيئة علاقات القوى الوازنة الحقيقيَّة بعيداً عن شغبِ السِّياسات الانفعاليَّة وذات الطَّبيعة الدِّعائيَّة المتشنِّجة التي تُمارسها بعض الأطراف الإقليميَّة الحليفة لواشنطن، وغير الرَّاضية عن دبلوماسيَّة جون كيري حيال الأزمة في سوريا، لكنَّها لا تستطيع مغادرة مروحة الخطوط العريضة للسياسات الأمريكيَّة، وهذا ما تعكسه تصريحات وزير الخارجيَّة السعودي عادل الجبير بالأمس والتي تنطوي على مقدارٍ كبيرٍ من عدمِ اليقين فيما يتعلَّق بإمكانيَّة إرسال قوَّات سعوديَّة إلى سوريا حيث يقول: إنَّ موضوع وتوقيت إرسال قوَّات خاصَّة سعوديَّة إلى سوريا يقرُّرهما التَّحالف الَّذي تقوده الولايات المتِّحدة – أيْ بمعنى أنَّ من يُقرِّر ذلك في النِّهاية هو الولايات المتِّحدة – فيما يردُّ نائب الرَّئيس الرُّوسي " ميد فيدف " عل ذلك بالقول: إنَّ إرسال قوَّات إلى سوريا من بعض الدُّول يعني حرباً بريَّة شاملة طويلة  – وهو ما معناه استعداد روسيا لتكثيف تدخُّلها في سوريا عبر إرسال قوَّات بريَّة للقتال  هناك – وفي هذا السِّياق جاءَ تحذير قائد الجيش الإيراني بعدَ إرسال السُّعوديَّة لبعضِ الطَّائرات إلى تركيا في نطاقِ التَّدخل العسكري الَّذي تلوِّح به في سوريا.

بالإجمال، كلٌّ له خطوطه الحمراء في سوريا ضمن التَّحالفات والتَّجاذبات والتَّناقضات، ولكن ثمَّة تحالفات مرتبكة في تحديد أهدافها أو الاتِّفاق التَّام حول استراتيجيَّة مشتركة بينها وكذلك فيما يتعلَّق بوسائلها أو التنسيق فيما بينها أو حتَّى تبرير سلوكها، كما يتِّضح إخفاقها في تحقيقِ أهدافها - اللَّهمَّ سوى الإمعان أكثر في صبِّ الزَّيت على نارِ الحرب المشتعلة - وأخرى أكثر تحديداً وتصميماً وتماسكاً وتجانساً وتنسيقاً. وقد أصبحَ من الواضح تماماً الآن - وعلى ضوءِ المواقف الأخيرة الَّتي أطلقتها الولايات المتَّحدة والقوى الأوروبيَّة تجاه مسألة مشاركة الأحزاب الكرديَّة في الحوار حول مستقبل سوريا بالتَّفاهم مع روسيا وعلى غير رغبة تركيا، وكذلك عدم موافقة دول الاتِّحاد الأوروبي في نطاق حلف النَّاتو على إعادة نشرِ منظومة صواريخ الباتريوت في جنوبِ تركيا العضو في حلفِ النَّاتو أيضاً، ضمن مناخ الحرب في سوريا، يُضافُ إلى ذلك عدم حماس الولايات المتِّحدة تجاه الأحلاف التي تُعلِنُها السُّعوديَّة – أنَّ هذا التَّحالف يزداد ارتباكاً ويبدو عليه عدم التَّجانس ويعوزه التَّنسيق أكثر فأكثر، ويبتعد مزيداً عن إمكانيَّة تحقيق أهدافه، فيما يسجِّل التَّحالف الآخر المكوَّن من سوريا وروسيا وإيران وحزب الله مزيداً من الأهداف الميدانيَّة والسِّياسيَّة، وهذا بالتأكيد وفي الحقيقة ما يقلق ويثير تشاؤم وزير الدِّفاع الإسرائيلي والَّذي قد عبَّر عنه بشكلٍ موارب قبل أيَّام في تصريحاته على هامش مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن الدَّولي.