غزة- محاسن أُصرف
"مؤمن قريقع" مصورٌ صحافي، فقد قدميه إثر استهدافٍ مباشر من قبل طائرات الاحتلال في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2008، فتحول من ناقل للصورة إلى موضوع لها.
لم يكن أمامه سوى خيارين إما أن يستسلم لضعف الجسد، أو يُحفز إرادته لاستكمال الرسالة، فاختار الثانية وأثمر بإيمانه وإرادته شخصًا آخرًا أكثر قوة، يمتهن صناعة القصة المصورة التي تُعبر عن الحياة الإنسانية البسيطة لسكان القطاع المحاصرين، يهوى –كما أخبرنا- البحث عن المتاعب، ويُقاوم الاحتلال بكاميرته التي أُريد له أن يتجافى عنها هجرًا وبُعدا إلى حيث الانكسار والألم.
يقول لـ"الحدث" :"وجودي في الميدان لنقل صورة المعاناة اليومية للمواطنين في غزة هو ردي على إرادة الاحتلال"، وأضاف أن الكاميرا باتت السلاح الذي يواجه به الاحتلال.
تحديّات
"مؤمن لا للمستحيل.. مؤمن يستطيع" شعار يؤمن به المصور "قريقع"، ويبدو كموجه لمراحل حياته، يؤكد أن تحديه لإصابته لم يكن الأول في حياته ولن يكون الأخير، ويُشير لـ"الحدث" أن نشأته يتيمًا حيث استشهد والده بعد أسبوع واحد فقط من ولادته عام 1987 خلال الإنتفاضة الأولى، منحته شخصية قوية ذات عزيمة وإرادة لا تضعف أو تلين.
شب "قريقع" هاويًا لتصوير الفيديو ومونتاج التقارير الصغيرة، وما لبث أن عمل بها منذ كان في المرحلة الثانوية ليُساعد أسرته على تحمل شظف العيش، يقول لنا :"منذ ذلك الوقت خضت تجربة الإعلام وكنت مساعدًا للصحافيين في إعداد تقاريرهم التي تُبرز جرائم الاحتلال" ويُضيف أنه أصقل موهبته بالدراسة فالتحق بدراسة الصحافة في جامعة الأزهر، لكن إصابته في منتصف الرحلة عطلته قليلًا طلبًا للعلاج وما لبث أن عاد أسدًا هصورًا في الميدان.
مصور ميداني
منذ عام 2012، بدأ "قريقع" العمل مصورًا ميدانيًا خلافًا لما كان متوقع له بأن يبقى حبيسًا لكرسيه المتحرك وجدران منزله في حي الشجاعية، يقول لـ"الحدث" أن :"إيمانه بالله وإرادته وأسرته شكلت ثلاثية التحدي الذي استعان به على إصابته"، وبيَّن لـ"الحدث" أن صعوبة العمل الصحفي في قطاع غزة كونه يُشكل أكثر النقاط الساخنة في العالم من حيث الاعتداءات الإسرائيلية، ناهيك عن عدم تقبل المؤسسات الإعلامية في قطاع غزة لعمله من على كرسيه المتحرك منحه قوة أكبر للتحدي وإثبات قدرته على المواصلة في أداء الرسالة ونقل الصورة، ويلفت إلى أنه بدأ العمل بشكل مستقل وتزويد الوكالات العربية والأجنبية بالصورة، وعلى الرغم من ضآلة المردود المادي إلا أنه استمر وبدأ يُطور من كاميرته ومن قدراته حتى وصل إلى حالة الاحترافية، وبدأت الوكالات تستقطبه إليها.
وعن حياته اليومية يؤكد أنه يُمارسها كأي أب عادي، نهاره يبدأ بإشراقة ابتسامة صغيراته الثلاث "جنى، هنا، سنا"، يوصلهن إلى الرياض ومن ثمَّ زوجته إلى عملها وأخيرًا ينطلق في مناحي المدينة يبحث عن الفعاليات تارة ليوثقها بعدسته، وتارًة أخرى تستوقفه الحياة البسيطة للسكان وأصحاب المهن والأطفال وأولئك المبدعين الذين يخطون بعقولهم وأناملهم الكثير من الإبداعات والمشاريع فيقتنصها ويحولها إلى قصص تخترق عيون وعقول المشاهد الغربي والأجنبي عمومًا.
وفي سياق متصل يؤكد "قريقع" أنه استطاع بعد عامٍ واحد من عودته إلى العمل حاز على جائزة أفضل قصة مصورة في مهرجان الدوحة الإعلامي عام 2013، واستطاعت صوره التي تنقل الوجه الإنساني للحياة في قطاع غزة المحاصر أن تتصدر صفحات الصحف العالمية كـ "التايم"، و"الإندبندنت" و"الجارديان" وذلك من خلال عمله مع الوكالات الإعلامية التي تُصدر صورها لها، يقول :"كان ذلك نتيجة جهد وإصرار على العمل بشكل مستقل بعد رفض العديد من المؤسسات التعامل معي كمصور صحافي"، ويُتابع أن تلك النظرة اختفت بعد أن نجاحه في إثبات قدرته على العمل وبراعته في انتقاء الأحداث وطريقة التصوير الاحترافية.
طموح
كلما انتهى المصور "قريقع" من تحقيق حلم، اتجه بعزيمة هادئة إلى آخر، فبعد أن أثبت أنه قادرًا على العمل كمصور صحافي ناقل للصورة والقصة المعبرة عن الحياة الإنسانية بوجهها الحقيقي في القطاع، بدأ في محاولة إثبات ذلك للعالم، يؤكد لـ"الحدث" أنه مع مطلع ديسمبر/كانون الأول 2015 بدأ يُحضر لمعرضه الدولى الأول في إيطاليا ليعُرف العالم بحياة أطفال غزة اليومية بوجه إنساني بحت بعيدًا عن تجاذبات السياسة، لكن حال إغلاق معبر رفح دون وصوله لعرضها.
وتابع :"على الصعيد المهني والمسئولية الاجتماعية تجاه ذوي الإعاقة الذين يمتلكون حسا صحافيًا وقدرة على العمل الإعلامي أطمح أن أبدأ مشروعي الخاص بإنشاء مؤسسة تدريبية تعمل على الارتقاء بمهاراتهم"، معبرًا عن أمنياته في مساعدتهم على خوض غمار العمل والتفاعل مع المجتمع والإنتاج له بدلًا من الارتهان الإعاقة ونظرة المجتمع السوداوية.