غزة: الحدث- حامد جاد
بالرغم من تأكيد وزير الأشغال العامة والإسكان الدكتور مفيد الحساينة، على أهمية الجهود التي تبذلها حكومته باتجاه التخفيف من تداعيات العدوان الإسرائلي الأخير، التي فاقمت من حدة معاناة مواطني غزة، إلا أن الحساينة لم ينف حقيقة أن هناك ما يؤخذ على حكومته من تقصير تجاه جملة من القضايا المفترض حلها، ومنها معالجة مشكلة الأسر المشردة التي دمر الاحتلال مساكنها عبر توفير المأوى المناسب والمؤقت لحين إعادة بناء ما دمره الاحتلال، وذلك في إطار الحلول المؤقتة، وكذلك تقصير الحكومة وتباطؤها تجاه معالجة قضية صرف رواتب موظفي حكومة غزة السابقة، أسوة بزملائهم من موظفي السلطة.
وفي مقابلة أجرتها الحدث، أجاب الحساينة عن جملة من الأسئلة ذات العلاقة بإعادة الإعمار ووتيرة الاجراءات الحكومية المعمول بها في هذا الاتجاه، وأسئلة أخرى ذات علاقة بالدور المفترض أن تلعبه حكومته في معالجة قضية موظفي حكومة غزة، وفيما يلي نص المقابلة.
س: ما هي أبرز الخطوات العملية التي اتخذتها الحكومة في ملف إعادة الإعمار؟
ج: آخر المستجدات المتعلقة بملف الإعمار، تمثلت بتفعيل تواصل الوزارة مع سفير النرويج لدى السلطة هانس جاكوب فريدنلاند، بشأن إعادة الإعمار وترتيبات مؤتمر المانحين المزمع عقده الشهر المقبل، حيث تعد النرويج الدولة الراعية لهذا المؤتمر، وبالتالي عملت الحكومة من خلال مجلس وزرائها على تشكيل لجنة وزارية لصياغة وإعداد خطة إعادة الإعمار، لعرضها على مؤتمر المانحين وتوزيعها على كافة الدول المشاركة في هذا المؤتمر قبل انعقاده، إضافة إلى اللجان الأخرى التي تم تشكيلها للقيام بمهام مختلفة، ومنها لجنة لإدارة الإعمار وأخرى لتقييم وتوثيق الأضرار.
س: هل لمستم تجاوباً من راعي مؤتمر المانحين تجاه إعمار غزة؟
ج: التواصل مع النرويج بصفتها الدولة الراعية لمؤتمر المانحين كان إيجابياً، وجرى الحديث عن ترتيبات لزيارة وزير خارجية النرويج بورج برانداه إلى غزة، حيث أتوقع أن تتم هذه الزيارة خلال الأسبوع، وذلك لكي يطلع عن كثب على طبيعة الأوضاع في قطاع غزة.
س: لماذا التناقض في الأرقام الخاصة بحجم خسائر العدوان؟
ج: نحن باشرنا فعلياً عملية حصر الأضرار، وقمنا بتشكيل لجنة إضافية ضمت بالإضافة إلى الوزارة والجهات المحلية ذات العلاقة، كلاً من وكالة الغوث "أونروا" وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي "UNDP " ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، كي تكون عملية حصر الأضرار مكتملة ونخرج بأرقام موحدة دون أن يكون هناك أية أخطاء، حيث ستكفل شمولية اللجنة توحيد الجهود بين مختلف الجهات ذات العلاقة، وستعرض الوزراة نتائج عمل اللجنة فور الانتهاء من حصر الأضرار بشكل نهائي، وهناك قرار صدر عن مجلس الوزراء وقضى بعدم الخروج بأرقام جزافية عن الخسائر، فمن حق الدول المانحة أن تعرف حجم الأضرار وأين ستذهب أموالها، لذا فالدقة في توضيح حجم الضرر والخسائر التي ألحقها العدوان الإسرائلي بكل قطاع على حدة، يعد أمراً في غاية الأهمية بالنسبة لمجتمع المانحين، بما فيهم الدول العربية التي نعلق عليها آمالاً عريضة، فالعدوان الذي تعرضت له غزة كانت تداعياته مزلزلة وكارثية تستوجب وقفة دعم ومساندة من كافة دول العالم.
س: مامدى جاهزيتكم لإعادة الإعمار؟
ج: نحن لدينا الجاهزية لإعادة الإعمار، وهناك قرارات سياسية أتخذت بشأن تسهيل عملية ومجريات الإعمار، ولكن نحن لا نعرف تفاصيل الاتفاقية الخاصة بإعادة فتح المعابر، ولم تعرض علينا، لذا نحن نصر على ضرورة إطلاعنا على وثيقة اتفاق التهدئة، خاصة ما يتعلق منها بفتح المعابر، يجب أن يكون هذا الأمر واضحاً للجميع، لذا يتوجب على الوفد الفلسطيني المفاوض أن يقوم بتوضيح هذه القضية.
وأضاف: "من يقول أن إعادة إعمار قطاع غزة تتطلب فترة تتراوح ما بين 10 إلى 15 عاماً، فهذا أمر غير دقيق، فنحن لسنا شعبا كسولا، بل شعب عملي ونبحث دائماً عن البناء، وبالتالي إن كان هناك فتح حقيقي للمعابر، فستستغرق عملية الإعمار أقل من هذه الفترة بكثير، فعملية إزالة ركام المباني المدمرة الذي يقدر بما يتراوح من 2.5 مليون طن إلى 3 ملايين طن، تستغرق كحد أقصى سبعة أشهر، ومن ثم نحن بحاجة لإدخال كمية مماثلة من مواد البناء، لذا لا بد أن يتم يومياً إدخال حمولة 1500 شاحنة من مستلزمات البناء المختلفة كحد أدنى، يتم إدخالها من مختلف معابر قطاع غزة حيث كان عدد الشاحنات التي تدخل يومياً عبر معبر المنطار "كارني" قبل الحصار المشدد المفروض على القطاع منذ منتصف حزيران عام 2007، يقدر بحمولة 700 شاحنة، وكان في ذلك الوقت معبر صوفا يعمل على إدخال كميات كبيرة من مواد البناء كالحصمة والبسكورس.
وأضاف: "لذا فإن إعادة فتح المعابر أمام إدخال مواد ومستلزمات الإعمار تشكل ضرورة ملحة ومتطلباً أساسيا لإعادة الإعمار، فهناك قرابة 20 ألف أسرة، ما معدله 130 ألف نسمة، تواجه مصيرها الآن في العراء وبحاجة إلى تضافر الجهود من أجل إغاثتها وتوفير المأوى لها والعمل على توفير كافة المقومات اللازمة للإعمار في كافة القطاعات، وفي مقدمتها إعادة إعمار المنازل المدمرة وإيواء المشردين، ومن هذا المنطلق نجدد دعوتنا للمنظمات الدولية والزعماء والمسؤولين العرب لزيارة غزة للوقوف على حجم الدمار الكبير وتحمل المسؤولية تجاه دعم متطلبات إعادة إعمار قطاع غزة، وتلبية أولويات إعادة إعمار قطاع الصناعات اللازمة لمرحلة البناء والتنمية وإعادة إعمار قطاع الزراعة وضمان تحقيق الإنعاش الاقتصادي".
ووصف الحساينة في سياق استعراضه لتداعيات العدوان، استهداف الطائرات الإسرائلية للأبراج السكنية في غزة بالأشد خطورة، حيث أن تدمير الأبراج السكنية زاد من حجم الدمار وفاقم في الوقت ذاته من مأساة المشردين وتشريد الأسر التي ليست لها علاقة من قريب أو بعيد بالعمل العسكري، إضافة إلى ما عمدت إليه من تدمير للمصانع والمرافق العامة، ما يدل بما لا يدع مجالاً للشك على أن لدى إسرائل توجها لتدمير مقومات الاقتصاد الفلسطيني وإلحاق المزيد من الدمار في اقتصاد غزة.
س: ماذا قدمت حكومتكم لمن تبقى في مراكز الإيواء؟
ما زال اللجوء داخل المدارس مستمراً، ونأمل أن يكون هناك تحركات قريبة تنهي النزوح القسري لآخر أسرة داخل المدارس، وأن يتم توفير المأوى المؤقت المناسب لهم إلى حين إعادة إعمار منازلهم المدمرة، فهذا أمر مؤلم ونحن كحكومة مسؤولون عن الشعب الفلسطيني من جنين إلى رفح، ونتعامل بمصداقية مع كل أبناء غزة، فحكومة التوافق كان من المفترض أن تكون حكومة مؤقتة تعمل على إنجاز الأعمال والمهام اللازمة للإعداد للانتخابات، إلا أن الحرب الأخيرة قلبت الموازين وغيرت كل المعادلات، حيث انهمكت الحكومة في العمل على توفير ما يخفف من معاناة أهالي غزة، وأن نواصل السعى في هذا الأمر بكل جدية، ولقد واجهنا صعوبات وتحديات جمة في هذا الشأن، فليس هناك شقق متوفرة في غزة لتلبية متطلبات تسكين آلاف الأسر المشردة المدمرة مساكنها، ولقد تواصلنا مع العديد من الأطراف ومنها تركيا التي أبدت استعداداً لتزويد غزة بنحو ثلاثة آلاف منزل متنقل "كرفان"، ونقابة المهندسين الأردنيين التي تم التواصل معها لتوريد 2000 كونتينر خلال فترة قد تستغرق شهر لإنجاز هذا الأمر.
س: لماذ لم تأت الحكومة إلى غزة؟
طلبنا من وزراء الحكومة أن يأتوا، وكذلك طالبنا رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد لله بالقدوم إلى غزة، ولقد وعدنا أن يأتي خلال الفترة القريبة القادمة كي يتواصل مباشرة مع المواطنيين، وأن يعقد الجلسة القادمة للحكومة في غزة، فالحكومة تتمنى أن ينجز هذا الأمر ويعقد المجلس جلسته المقبلة في غزة.
س: كيف تقيم دور الحكومة في غزة؟
الحكومة لا تعمل في غزة كما يجب، نحن هنا أربع وزراء في غزة بدأنا العمل منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة في الثاني من حزيران الماضي، نجتمع يومياً ونتواصل مع وزراء الحكومة في الضفة الغربية.
س: إذن لماذا لم تحل حكومتكم قضية رواتب موظفي حكومة غزة السابقة؟ ولماذا حتى الآن لم يتم التواصل بين المسؤولين في الوزارات.
قضية رواتب موظفي الحكومة السابقة في غزة يجب أن تنتهي، فموظفو الدفاع المدني والشرطة وغيرهم من موظفي الحكومة السابقة، يجب أن يتلقوا رواتبهم، وهناك جدية من قبل جميع الأطراف الدولية والمحلية بضرورة أن يتم حل المشكلة بشكل جذري عبر اللجنة الإدارية والقانونية التي تم تشكيلها لهذه الغاية، أما بالنسبة للتواصل، فإن كان هناك وكيل وزارة في غزة وموظفون قدامى، يمكن التواصل معهم بشكل عادي، كما يمكن التواصل مع الموظفين الجدد بعد أن يتم تصويب وضعهم الوظيفي وتسكينهم وفق مسميات وظيفية جديدة.
وأضاف: "بالنسبة لوزارة الأشغال، فلقد قمت بتشكيل هيكلية جديدة للوزارة في الضفة وغزة، وهناك توافق بين الموظفين الجدد والقدامى ولكن جاءت الحرب ولم يتم اعتماد هذه الهيكلية، إلا أنه من الممكن أن تعتمد قريباً، سيما وأن هناك قراراً من رئيس الوزراء بتسكين موظفي الصحة والتعليم، وهذا القرار اتخذ في الجلسة الأخيرة ويشمل 16 ألف موظف في الوزارتين المذكورتين، وبالتالي نحن بحاجة إلى نفس وحدوي ينهي هذه المشكلة ويضع حداً لكل التقولات الأخيرة حول تبعية هذا الموظف لهذه الجهة وتبعية ذاك الموظف لتلك الجهة، فليس هناك سوى حكومة وحدة موحدة هي حكومة التوافق المسؤولة عن كل الموظفين في الضفة والقطاع.
وزاد بقوله: "هناك مشاكل أخرى مازالت الحكومة تعمل على معالجتها، فوزارة المالية في غزة تقوم بجباية الضرائب، ولقد طلبنا عدم فرض الضرائب خاصة على رجال الأعمال، نحن منذ الثاني من حزيران الماضي حيث تم تشكيل الحكومة آنذاك، تلقينا وعوداً لاستلام كشوفات حول قيمة ما تم جبايته، لذا لابد من مراجعة هذه الكشوفات منذ أن تم تشكيل الحكومة".