فريد زقوت: "رغم تدمير البنية التحتية للمصانع مازالت قادرة على إعمار غزة"!
علي الحايك: الاحتلال تعتمد خلال الحروب الثلاثة التي تعرض لها القطاع استهداف المصانع ذات العلاقة بالصناعات الإنشائية لمنع وتعطيل أي عملية تنموية في القطاع!
نبيل أبو معيلق: لا يمكن البدء بإعمار غزة دون تأهيل وبناء ما دمره الاحتلال في قطاع الصناعات الإنشائية!
غزة- محاسن أُصرف
مصنع باطون "التعاون"، "التحرير"،"الامتياز"،"حلس"، "خلف"، وغيرها جميعها نالت منها صواريخ وقذائف الاحتلال الإسرائيلي خلال عملية "الجرف الصامد" والتي استمرت 51 يوماً، ويؤكد أصحابها أنها تضررت إما بشكلٍ جزئي أو كلي، ما يعني تعطلها عن العمل لحين تأهيلها وإعادة عجلة محركاتها إلى العمل والإنتاج التي كانت متوقفة في مجملها بفعل الحصار وإغلاق المعابر وهدم الأنفاق، إلا من قليلٍ منها يأتي لصالح المشاريع الدولية والتي تُشرف على تنفيذها وكالة الغوث في القطاع.
ويؤكد مقاولون لـ"الحدث"، أنه بعد توقف وصول الإسمنت إلى القطاع بفعل تدمير الأنفاق على الحدود الفاصلة بين قطاع غزة ومصر، توقفوا عن استكمال مشاريعهم الإنشائية في القطاع، وأوضحوا أن تعمد الاحتلال خلال العدوان الأخير استهداف مصانع الباطون ومعامل الصناعات الإنشائية، ضاعف من معاناتهم، مطالبين بالعمل الحثيث والجاد على إعادة تأهيلها باعتبارها المسؤول الأول والمساهم الأكبر في عملية إعادة الإعمار المرتقبة.
"الحدث" في سياق التقرير التالي ترصد حجم الدمار الذي لحق بمصانع الباطون وقطاع الصناعات الإنشائية بشكل كامل في قطاع غزة، وتقرأ تفاصيل المأساة في عيون أصحاب المصانع.
معاناة متفاقمة
تفاقمت معاناة أصحاب معامل الصناعات الإنشائية في قطاع غزة بعد عملية الجرف الصامد التي نفذها الاحتلال الاسرائيلي واستمرت 51 يوماً، ويقول "زياد مطر" المهندس المسؤول في مصنع التحرير للباطون الجاهز الواقع في أراضي المحررات بخان يونس: "لم تكن عجلة الإنتاج في المصنع تدور قبل الحرب بسبب إغلاق المعابر وهدم الأنفاق"، ويستكمل بمزيد من الألم: "بعد الحرب تضرر كل شيء في المصنع تضرر بصورة متوسطة مما زاد المعاناة أضعافاً".
كانت القدرة الإنتاجية للمصنع تعادل 700 كوب يومياً من الباطون الجاهز، يتم توزيعها على مشاريع الإسكان الإماراتية والسعودية في القطاع، والتي تُشرف على تنفيذها وكالة الغوث الدولية، يقول المهندس مطر: "الآن القدرة الإنتاجية تُساوي صفراً"، وأضاف: "نأمل أن تعود تلك المشاريع للعمل بما يُحقق تدوير عجلة الصناعات الإنشائية من جديد سواء مصانع الباطون، أو الإنترلوك، أو البلوك ومصانع الإسفلت وغيرها".
ويطالب "مطر" بضرورة الإسراع في إصلاح المصانع المتضررة وبناء المصانع المدمرة لتقوم بدورها الكبير في عملية إعادة الإعمار المرتقبة قائلاً: "معامل الصناعات الإنشائية، هي المسؤول رقم واحد عن إعادة إعمار قطاع غزة، وإن لم توجد فإن العملية ستكون بطيئة"، ونوه "مطر" إلى أن الاحتلال الإسرائيلي تعمد خلال العدوان الأخير استهداف الصناعات الإنشائية بشكل مباشر بهدف إبطاء عملية الإعمار من جهة، ومحاولة تعويض خسائره الاقتصادية التي تكبدها بفعل صواريخ المقاومة، وذلك عبر مرور مواد البناء والمواد الخام اللازمة لإعادة الإعمار عبر معابره مع القطاع.
أمل بإعادة الإعمار
ولا تختلف المعاناة لدى "صبري أبو دقة" صاحب مصنع باطون في طريق صوفا جنوب قطاع غزة، يؤكد أبو دقة أن قذائف الاحتلال أجهزت على المعدات الأساسية لتشغيل المصنع، مما أدى إلى توقفه عن العمل بعد أن كان يُنتج 120 كوب من الباطون الجاهر في الساعة، يقول: "على مر السنوات السابقة كنا ننتظر إعادة الإعمار لتحريك عجلة الإنتاج في مصانعنا، إلا أن ذلك لم يحدث لأسباب الإغلاق والحصار والانقسام"، ويخشى أبو دقة ألا تتم عملية إعادة الإعمار هذه المرة أيضاً، مما سيكبده خسائر مضاعفة عن الخسائر التي ألحقها استهداف الاحتلال للمصنع بالقذائف أثناء الاجتياح البري، والمُقدرة بـ 50 ألف دولار بالإضافة إلى نفقات تشغيل ورواتب عمال تُقدر بـ 4 آلاف شيكل، ويتمنى على وزير الأشغال في حكومة الوفاق الوطني وكافة المسؤولين ذوي العلاقة بالصناعات الإنشائية، أن يوجهوا أنظارهم نحو أصحاب المصانع ومساعدتهم على إصلاح ما حل بها من أعطاب، لتبدأ بعملية إعادة الإعمار التي لن تتم بنجاح إذا استمرت تلك المصانع مُعطلة.
خسائر طائلة
ويبدو أن الخسائر التي تعرضت لها شركة مشتهى وحسونة للمقاولات والتجارة العامة بغزة، أكثر وأعمق، حسب حاتم حسونة، إداري في الشركة، حيث أكد لنا أنها تجاوزت 6 مليون دولار أمريكي، بلغت خسائر شركة الصناعات الإنشائية التي تنطوي تحت لواء الشركة الأم 3.540.000 مليون دولار أمريكي.
وقال إن: "شركة الصناعات الإنشائية هي الأعلى إنتاجية في قطاع غزة في مجال حجر الرصف وحجر الرصيف، حيث تبلغ 280 متر مربع في الساعة، وتُشغل أكثر من 130 عامل وموظف، باتو الآن عاطلين عن العمل.
أكثر من 60% مدمر
وأخبر المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات الإنشائية "فريد زقوت" أن الاحتلال الإسرائيلي استهدف بشكل مباشر القطاع الصناعي، فدمر حوالي (138) مصنعاً في مختلف مجالات التصنيع الإنشائي، وقال في تصريحات خاصة بـ"الحدث": "أن 22 مصنعاً من أصل 32 مصنعاً بنسبة 65% في القطاعات الإنشائية الخمسة كـ (مصانع الباطون، ومصانع البلوك، ومصانع الرخام، ومصانع الإسفلت) تضررت، وبحاجة إلى إعادة إعمار.
وعلى الرغم من ارتفاع نسبة التدمير لمصانع الباطون إلا أن "زقوت" أكد على أن ذلك لن يُؤثر على عملها في إعادة الإعمار قائلاً: "بعض المصانع تحتاج إلى مبالغ جزئية لتبدأ بالإصلاح ومن ثمَّ ممارسة الإعمار"، وشدد على ضرورة الاهتمام بها وإعطائها الأولوية من أجل المساهمة في عملية إعادة الإعمار المزمع البدء بها خلال الأشهر القليلة القادمة، بعد إنجاز مؤتمر المانحين.
وينفي "المدير التنفيذي لاتحاد الصناعات الإنشانية أن تكون المصانع بحاجة إلى خطوط إنتاج جديدة، فقط إعادة تأهيل وصيانة جزئية لبعضها، مؤكداً أن جميع الصناعات الإنشائية قادرة على تغطية السوق الفلسطينية وقادرة على عملية إعادة الإعمار بشكلٍ كلي، وقال: "حتى بعد التدمير لا تحتاج إلى أي خبرات أو أي خطوط إنتاج إضافية أو أي مشاريع إضافية".
وطالب "زقوت" الجهات المسؤولة عن إعادة الإعمار بالإسراع في تأهيل وإصلاح المصانع المدمرة، لتقوم بدورها في عملية إعادة الإعمار المرتقبة.
ومن المتوقع عقد مؤتمر لإعادة إعمار قطاع غزة في شرم الشيخ بمصر خلال الأسابيع القادمة، خاصة بعد أن تم التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار نهاية أغسطس الماضي.
استهداف متعمد في الحروب الثلاثة
من جانب يؤكد "علي الحايك" رئيس جمعية رجال الأعمال واتحاد الصناعات الفلسطينية في غزة، على أهمية المصانع والورش الصناعية المختلفة في المساهمة في إعادة الإعمار، وقال لـ"الحدث": "يجب الإسراع في إعادة تأهيل وتشغيل المنشآت الصناعية بما يحقق مساهمتها الإيجابية في عملية إعادة إعمار قطاع غزة المرتقبة".
وأوضح "الحايك" أن الضربات التي تلقاها القطاع الصناعي خلال الحربين السابقتين أدت إلى تدمير البنية التحتية للكثير من المنشآت الصناعية، وقال: "أن الاحتلال تعمد خلال الحروب الثلاثة التي تعرض لها القطاع استهداف المصانع ذات العلاقة بالصناعات الإنشائية، محاولاً منع وتعطيل أي عملية تنموية في القطاع"، مطالباً المؤسسات الدولية بالإسراع في العمل على إعادة إعمار القطاع الصناعي لما له من أهمية رافعة للاقتصاد الفلسطيني، وقدرة عالية على تشغيل الأيدي العاملة في ظل ما يعانيه قطاع غزة من أزمة بطالة كبيرة.
وفي حديث الإحصاءات أوضح "الحايك" أن ما يُقارب 450 مصنعاً، و1000 ورشة صناعية ومحل تجاري تعرضت لقصف وسقوط قذائف، ما أدى إلى تدمير بعضها كلياً، والبعض الآخر بشكل جزئي، وفيما يتعلق بأضرار الصناعات الإنشائية بيَّن أن 132 منشأة من منشآت قطاع الإنشاءات دُمرت بشكل كلي أو جزئي، وبلغ عدد مصانع الباطون الجاهز المدمرة حوالي 22 مصنعاً من أصل 32، وتقريباً 69 مصنعاً لإنتاج البلوك، وعشرات المصانع والمعامل الأخرى المنتجة للبلاط والإنترلوك والرخام.
ضرورة بناء المصانع
وإلى ذلك يؤكد "نبيل أبو معيلق" نقيب المقاولين في محافظات غزة، أن عملية إعادة الإعمار بدون تأهيل وإصلاح المصانع ستكون صعبة، قائلاً: "لا يمكن بدء إعمار غزة دون بناء المصانع المدمرة"، لافتاً إلى أن تلك المصانع، خاصة المتعلقة بالصناعات الإنشائية يترتب عليها صناعات أخرى كـ(الأدوات الصحية، والبلاستيكية، والحديد) وأشار إلى أن توقفه يعني توقف القطاعات المذكورة ويُسهم في ارتفاع نسبة البطالة.
وبيَّن أن قطاع الإنشاء هو المشغل الأكبر للأيدي العاملة في قطاع غزة"، وقال: "في حال البدء بالإعمار فإن آلاف فرص العمل ستتوفر للعمال الذين توقفوا عن العمل في قطاع الإنشاءات منذ سنوات بسبب رفض "إسرائيل" إدخال مواد البناء إلى غزة"، داعياً إلى الضغط على "إسرائيل" من كافة المؤسسات الدولية لرفع الحصار وفتح معبر كرم أبو سالم لكافة الواردات دون التقيد بنوع أو كمية السلع، وشدد "معيلق" على أهمية صياغة خطة واضحة تتوفر فيها متطلبات مشروع الإعمار، من إعادة إنشاء المصانع والبنى التحتية وتوفير تمويل للشركات لتتمكن من تحمل أعباء مشروع إعادة الإعمار الضخم.
أهداف تدمير المصانع
ويرى "الحسن بكر" المختص في الشأن الاقتصادي الفلسطيني أن تدمير المصانع والمنشآت الاقتصادية في غزة كان بهدف تعويض اقتصادها المدمر بفعل صواريخ المقاومة، عبر الاستفادة من الأموال التي يدفعها الممولون الدوليون من أجل تمرير المواد الخام ومواد إعادة الإعمار عبر مصانعها لغزة.
وقال: "الاحتلال الإسرائيلي يُريد من استهدافه المباشر للبنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني، تركيع الفلسطينيين والاستمرار في إلحاق اقتصادهم باقتصاده".
ودعا "بكر" إلى ضرورة توفير ضمانات دولية تُلزم الاحتلال الإسرائيلي بعدم استهداف المصانع بعد إعمارها، وعدم استمرار الحصار الاقتصادي الذي يُقوض النشاطات الاقتصادية في كافة المجالات التجارية والصناعية.
وقدرت وزارة الاقتصاد الوطني في غزة حجم الخسائر التي تعرضت لها المنشآت الصناعية بشكل عام بـ(750.420.000) مليون دولار.
فيما اتجه د. ماهر الطباع إلى الحديث عن الآثار الاقتصادية لتدمير المصانع وقطاع الإنشاءات في قطاع غزة خلال العدوان الأخير، وقال: "تدمير قطاع الإنشاءات سيزيد من نسبة البطالة في القطاع إلى معدلات ضخمة"، وأضاف أنها من المتوقع أن تتجاوز الـ55% ، وبيَّن أنها ستؤدي إلى انضمام أكثر من 30 ألف شخص إلى مستنقعات البطالة، وفق تعبيره، داعياً إلى ضرورة العمل على إعادة تأهيلها من أجل تشغيل الأيدي العاملة والبدء بإعادة الإعمار الكاملة لقطاع غزة.
وفي ظل الأرقام التي تحدثت عن تدمير عشرات الآلاف من الوحدات السكنية ودور العبادة والمدارس والمؤسسات، لا يمكن البدء بإعادة إعمارها دون بناء المصانع المدمرة والتي تُمثل عصب عملية إعادة الإعمار.