السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

من جـوّا البيت....! بقلم: تيسير الزّبري

2014-09-09 08:16:38 AM

من جـوّا البيت....!
 بقلم: تيسير الزّبري
صورة ارشيفية

 صريح العبارة

الحدث: صحيح أننا مشغولون بالهموم الوطنية، وبأمور الحرب والسلم والتسوية الممكنة وغير الممكنة، وبأمور عامة لا حصر لها. كل ذلك يشغلنا في كثير من الأحيان عن الهموم اليومية والصغيرة، لكن التغاضي عن هذه الهموم والإمعان على هذه "العادة"، قد لا تكون وراءها نوايا حسنة، فكما أن الهموم الصغيرة لا يجب أن تطمس الهم العام، فإن الانشغال بالهم العام لا يجب أن يلغي هموم الناس واحتياجاتهم المادية والإنسانية، ولا يجوز أن يجري المساس بحق المواطن بالعمل والصحة والأمان الاجتماعي.

سوف أتناول في هذا المقال مسألة تبدو للبعض صغيرة وجوانية، ولكن الاستمرار بها إنما يدلل على خلل إداري قديم، وبصراحة أكثر، إنه استغلال لحالات إنسانية وحقوقية تتعلق أساساً بحق المواطن في العمل، وباحترام كامل حقوقه الإنسانية والقانونية، بل أن مواصلة هذا الخلل يدلل على عشوائية وعدم تقدير للعواقب!

المقدمة تقول إن الميزانيات الحكومية في السنوات العشر الأخيرة، كانت قد حصرت عمليات التوظيف في القطاع الحكومي بوزارات الصحة والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعية، وبحدود لا تتجاوز الآلاف سنوياً، ولكن جرى التحايل على هذا القرار بما يسمى بموظفي العقود، وعددهم الحالي يقارب الألف موظف وموظفة، وهم في حالة تبدل دائم، ولكن الطريقة التي تم بها الالتفاف على قرار التوظيف، خاصة بعدما انكشفت ظواهر البطالة المقنعة والمسيسة، ابتدأت بنص يبدو مقنعاً في قانون الخدمة المدنية، فهو يشير  في المادة 28، "إلى أن لمجلس الوزراء أن يضع وبناء على اقتراح من ديوان الموظفين العام، نظاماً بتوظيف الخبراء المحليين والأجانب، ولمن يقومون بأعمال مؤقتة عارضة أو موسمية"، وبناء على ذلك، فقد أصدر مجلس الوزراء الفلسطيني "قرار رقم 335 لسنة 2005 بنظام توظيف الخبراء وشغل الوظائف للقيام بأعمال بصفة مؤقتة أو عارضة أو موسمية".

المادة 28 من قانون الخدمة المدنية وقرار مجلس الوزراء المذكور واضحان، ولكن الترجمة العملية للقرارين هي ما يلفت النظر، إذ تحولت تلك القرارات إلى أبواب للتوظيف شبه الدائم، مترافقة مع سلب للموظف أو الموظفة من حقوقهم الوظيفية، وبالرغم من أن قرار مجلس الوزراء الفلسطيني قد حدد "الحاجات الضرورية"، ووصف أصحابها بالخبراء، وبفترات العمل العارضة والموسمية وبسقف زمني لا يزيد عن سنتين، إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك، وحسب معلوماتي من أكثر من مصدر إداري مسؤول، بمن فيهم وزراء سابقين، أن بعض هؤلاء العاملين بعقود، قد مضى عليها حوالي عشر سنوات، أي قبل اتخاذ القرار المذكور، ومنهم من أمضى حتى الآن في هذه الوظيفة المؤقتة سبع سنوات، دون التمتع بالحقوق التي يحصل عليها الموظف من حيث العلاوات واحتساب سنوات العمل كسنوات تقاعد، والإجازات، علماً أنه لا ينطبق على غالبيتهم الساحقة صفة الخبراء أو مدراء الدوائر التي لا غنى عنها، كما أن أعمالهم ليست موسمية أو مؤقتة.

لا بأس من مقارنة ذلك مع ما ورد في قانون العمل الفلسطيني، والذي سمح بالعقد المؤقت لمدة ثلاثة شهور يمكن زيادتها لمدة ستة شهور، وبعدها لا بد من أخذ قرار بتوظيف العامل أو الاستغناء عنه، وفي حالة توظيفيه، يحصل العامل على كامل الحقوق، بما فيها احتساب فترة العقد لسنوات الخدمة. على عكس ما يتم راهناً مع أصحاب العقود الحكومية، فهم شباب خريجون جدد من جامعات ومعاهد، يبحثون عن العمل، وهم بأمس الحاجة إليه بعد سنوات من الدراسة وشقاء الأهل، ولكن وللأسف، يجري استغلال حاجتهم هذه بوضعهم في ظروف عمل مخلة بحق المواطن التي وردت في النظام الأساسي الفلسطيني.

إذا ما أضفنا هذه الحالات إلى ما يسمى بتفريغات العام 2005 مع موظفي الحكومة المقالة في غزة، فنحن أمام أزمات إدارية كبيرة بسبب من السياسات العشوائية قصيرة النظر، التي أتُبعت وما تزال لدى أغلب الحكومات الفلسطينية المتعاقبة.