الحدث - تيسير الزَبري
من المتابعة شبه الدائمة لهذا الفيض من الإعلام الرسمي، وغير الرسمي، المرئي والمسموع، فإن ما يتركه من انطباعات لا تسر البال ولا تُقدم ما هو ضروري وما هو مطلوب للحالة الفلسطينية من تحديات وطنية وداخلية، في البناء الإداري والاقتصادي والقانوني وغيرها.
إن إعلامنا والحال هذه، التي تقتصر على الوصف المجزوء لجرائم الاحتلال، وسرد لتفاصيل أعمال القمع، والهدم، وتوسيع المستعمرات الاستيطانية ومئات التفاصيل اليومية دون إعطاء شيء من المواجهة السياسية لمثل هذه الجرائم، فإنه يقرر دوره في خانة امتهان البكائيات المحزنة التي نضطر لتجرعها كل صباح.!
إن عرض نصف المشهد المآساوي وتكرار ذلك دون اعطاء شحنة الأمل، ودون الاستعانة بتجارب الشعوب التي واجهت أنظمة القمع والعنصرية خارج منطقتنا فإنما يُفقد اعلامنا دوره، ويزداد الأمر فداحة عندما يجري إشهار الموقف الرسمي وشبه الرسمي الذي يقتصر على الشجب والإدانة .. وهناك أمثلة كثيرة وآخرها أحداث الاسبوع الدامي الماضي وجرائم القتل الإسرائيلي بالدم البارد على جسر الكرامة، وفي قرية بيتين، وعلى أطراف غزة، فالاكتفاء بالشجب والإدانة دون قول شيء سوى أن تلك الجرائم هي مؤامرة وتصعيد إسرئيلي لتخريب العملية السياسية” !! لكَ أن تتخيل كم مواطن إبتسم أو غضب عندما سمع مثل هذا الموقف!.
الإعلام الفلسطيني ينقل وصف الجريمة وينقل الردود الحذرة التي ذكرناها دون انتباه لانعكاساتها على المواطن الفلسطيني والعربي عموما، فهي إما أن تؤدي الى يأس وإحباط وإما إلى تطرف عدمي، وهو يأس من نوع آخر، مهما كانت التفسيرات لهذا القصور، فإن النتيجة هي افراغ نفسي وهشاشة موقف وضياع لا يصب إطلاقاً في خانة الرد المطلوب!
صحيح أن الإعلام عموماً، في بلادنا وفي غيرها، لا ينمو ولا يتقدم خارج النظام السياسي، فهو يعكس الواقع السلبي ويقدم الدليل والوعي المطلوب للرد على هذا الواقع، ودون تحميل إعلامنا المسؤولية الكاملة، فإن الخلل في النظام السياسي الفلسطيني وتعطيل الحياة الديمقراطية، بما في ذلك المجلس التشريعي الفلسطيني، وكافة الهيئات الفلسطينية في منظمة التحرير الفلسطينية الأمر الذي حول نظامنا إلى نظام شمولي غير ديمقراطي، وأدى الى تغول السلطة التنفيذية بأجهزتها الإدارية والأمنية وفتح الباب أمام كل الثغرات التي تخلخل بنيان المجتمع الفلسطيني المذبوح بالاحتلال وشروره.
نظام سياسي غير ديمقراطي وشمولي يؤدي بالضرورة الى إعلام غير ديمقراطي وشمولي والموضوع لا يتعلق فقط بالجوانب السياسية وإنعكاساتها الإعلامية بل أيضاً بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية، فأين هو الإعلام الذي يعكس وجهات نظر المعارضة السياسية. المعارضة ليست “أحزاب المعارضة” بل كل الاتجاهات التي لها موقفها في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية. هل يُجري إعلامنا عرضاً لاراء المعارضين وأصحاب الرأي ورجال الاقتصاد والقانون أم أنه لا يفعل ذلك ولا يلقي ضوءً على أي من المسائل الداخلية الجادة التي نراها كل ساعة وكل يوم مثل إقرار موازنة 2014 بالشكل الذي تمت عليه!
إن إعلاماً يفتقر إلى التعددية ويجانب الديمقراطية ويتغاضى عن الاوضاع الداخلية هو أشبه بجسد مقطوع الرأس والأطراف وهذا ما لا نريده ولا نحتاجه.