في عيون غزة
الحدث: سؤال يلازم الناس، تقرأه على الوجوه وتسمعه على ألسنتهم عارياً صريحاً في الشوارع والحواري والمقاهي والأسواق.. وتراه في الحدائق العامة والمنتزهات.. تراه مع الهاربين من حر الصيف إلى شاطئ البحر الذي تغيرت ملامحه كما تغيرت ملامح الناس، الذين خرجوا إلى الحيرة من جديد، وما عادت وسائل الإعلام ترسم الصورة كما يرونها..
ماذا بعد الحرب، وكيف يمكن زوال آثارها، لتعود غزة إلى دورها من جديد؟
سؤال يتفرع إلى ألف تساؤل، وسؤال يعصف ألماً يتربع على وجوه الناس ويرقص ارتعاش حذر بين الشك واليقين، عندما يطل سؤال الوحدة الوطنية، وعندما تلوك الأسنة أخبار حكومة التوافق التي ما زالت معلقة على غياب الاتفاق، ما جعلها عملة غير قابلة للتداول، على أرض الواقع، مهما اختلفت ديباجة الخطاب، ومهما حملت الأخبار مما يتسرب عن لقاءات الحوار التي باتت مناوشة بين الضرائر ولكل أسبابه، وكأننا انتهينا من الحرب واختلفنا بعد التحرير وقيام الدولة، وسوغنا تأجيل أو تغريب الحاجات الملحة للناس الذين انبثقنا منهم وفوضونا للعمل من أجلهم.. وكأن الوقت ينتظر بلا اكتراث بنزوات المماحكة، أو كأننا نقتل الوقت في البحث بين النقاط والفواصل، وتلك عادة فلسطينية، للأسف يبدو أنها تحتاج إلى جهد استثنائي للتخلص منها، أو يبدو أنها تمكنت منا تهرش جلودنا المتقرحة..
ماذا بعد المعركة مع عدو مراوغ، وعالم أسلامي يؤازرنا بالدعاء وبعض أموال الصدقات شعبية كانت أم حكومية، وأخوة عرب منشغلون عنا بهمومهم وقضاياهم المربكة؟ ولكنهم قد ينتصرون لنا إذا انتصرنا على أنفسنا وكنا عصبة واحدة..
ماذا بعد الحرب؟
بعد تدمير البيوت، وآلاف الشهداء والجرحى والمعاقين، والأيتام والأرامل والثكالى، وآلاف الطلاب الذين ينتظرون عامهم الدراسي ولا يحلمون بالعيد القريب، وحكومة تتسول المعونات. والمعونات سراب يطل ومعه شروط المغيث، ويغيب كلما لاح في الأفق وحدة قرار فلسطيني موحد متفق عليه.. والمزاد مفتوح، فلا غيث مبرأ من شروط في حقل السياسة!!
في غزة يكثر الكلام عن الانتصار، وتعمر الصدور بالفرح، وتطلب للشهداء الخلود، ولكن عندما يكون الحديث عن ما بعد المعمعة يتلعثم الخطاب، ويضيع الوضوح، ويبدأ نشر الغسيل على الحبال..
غزة الصابرة على البلايا، الصامدة في كل العصور، ما زالت أمام دهشة السؤال، أمام إجابات الساسة أولي الأمر الذين يحددون معالم الغد.
متى تأخذ حكومة الوفاق الوطني دورها وتصبح حقيقة واضحة تنفذ برامجها، حسب حاجات وحقوق المواطن، في ظل قيادة سياسية تمسك بقرار الحرب والسلم حسب أجندة وحدة الوطن وحق المقاومة المشروع؟
ثم كيف ومتى يعود الاقتصاد إلى دورته المعتادة، ويفتح فرصاً جديدة للعمل، وتنمية الدخل الفردي والجمعي؟
متى يبدأ الإعمار، وحل مشاكل الأسر المنكوبة؟
وكيف سيتم التعامل مع الجرحى والمعاقين والأيتام والأرامل؟ وألف كيف ومتى حول الموظفين.
كيف نرسم المستقبل برأس واحدة وجسد واحد؟
وإلى متى ستظل غزة بين الدهشة والذهول؟!