هنا نلتقي
الحدث: في خضمّ الحرب التي شنّها الاحتلال المسعور على (الأشقاء) في غزة، اقتنصت بعض المشاهدة المؤلمة من (الأخوة)، الذين لا يتركون فرصة إلا ويبرهنون فيها على أنهم في واد، و(التضامن) مع (أشقائهم) في واد. ولا نحتاج إلى الكثير من تحليل الصور الثابتة والمتحركة، حتى ندرك ما يجول في دواخل أصحابها، فالمظهر يفضح الجوهر، دون توجيه أي اتهام بالتبلّد والسطحية وخيانة الموقف، وإنما يمكن الجزم باللامبالاة. وهذا التحليل السريع أكده التراشق الإعلامي الذي تبع الهدنة، وصغر المواقف أكده محضر مسرّب لاجتماع مذهل ومدهش وسريالي عقد على مستوى القمة، قدّم لنا مستوى حوار (القيادة)، وما يضمرون لبعضهم بعضاً من شكٍ و(عداوة) وسوء سريرة، وما من أحد قرأ ذلك المحضر بالتفصيل إلا واعترته حالة من الغثيان والقرف.
الصورة الأولى تناقلتها وسائل الإعلام جميعها، لشخصين رئيسيين من الوفد التفاوضي الذي ذهب إلى مصر، كانا يضحكان بطريقة احتفالية، كونها اتفقا على موقف موحّد من الهدنة، تلك الضحكات التي كانت تنطلق وسط صراخ العائلات التي فقدت أحباءها وبيوتها، ووسط برك الدماء التي انتشرت في الشوارع وممرات المستشفيات، تلك الضحكات لا تعبّر عن دبلوماسية وأناقة في التعامل، وإنما تعكس اللامبالاة بدماء الشعب الذي دفع الثمن ولا يزال، من الأطفال والأباء والأمهات والمنازل، وكان بالإمكان أن يظهروا أمام آلات تصوير وسائل الإعلام، الظهور فقط، بوجوه جادة تليق بتضحيات الناس الفقراء والبسطاء، ولكن من يسكن الفنادق والفلل ويشاهد الحرب فقط على شاشات التلفزيون، لا يمكن له الشعور بمشاعر رجل فقد كل أفراد عائلته وبيته، هذا الرجل هو الذي أتاح لهؤلاء أن يتبجحوا بالنصر والوحدة الوطنية والتضحية.
الصورة الثانية كانت لسفير فلسطيني في إحدى دول المواجهة، ظهر بمظهر المدعو إلى حفل ساهر، فاستعد بأناقته أكثر مما استعد بفكره وكلامه، ويبدو أنه صرف وقتا طويلا في اختيار البدلة وربطة العنق وعند الحلاق، وظهر حتى دون أن يضع حول رقبته (لفحة) أو كوفية تشير إلى تضامن ما مع (أشقائه) في غزة، وكانت كل إجاباته مبتورة وسطحية وركيكة، وكانت عبارة عن جمل إنشائية مستهلكة لا تعبر عن موقف، حتى أن المذيع كان يبتسم بين كل إجابة وأخرى، ولا شك أنها كانت ابتسامة تهكمية، لأن ضيفه كان شديد التأنق، وقليل الخبرة في التحدث لوسائل الإعلام، وبكل بساطة، لأنه غير جدير بمنصبه الذي من المفترض أنه يمثل فيه شعبه، وانتهى الحوار دون أن يحصل المذيع على كلمة مفيدة، كأن صاحبنا يفهم الدبلوماسية على أنها سطحية المواقف، وضبابية الرؤية، والحضور الأنيق، والجلوس وكأنه يستند على أريكة، وحين تحدثت عن المقابلة مع أكثر من شخص معنيّ بالعمل الوطني، أبدوا جميعهم استياءهم من ذلك الحوار، ومن أداء السفير بشكل عام. وهذا الأمر يطرح سؤالا أما الخارجية الفلسطينية عن معايير اختيار السفراء وأدوارهم، وهل تم تعيينهم ليحبسوا أنفسهم في المكاتب الفارهة، وتجاهل المناسبات الوطنية، فعلى سبيل المثال، بعض السفراء لا يستعيدون ذكرى النكبة ولا يوم الأرض ولا أي مناسبة وطنية، ولا يتواصلون مع ابناء شعبهم، ما يطرح علامة استفهام ضخمة، إن كانت مواقفهم نابعة منهم شخصياً أو نتيجة تعليمات من وزارة الخارجية في رام الله! بينما الشخصيات التي تستطيع تمثيل الشعب الفلسطيني كثيرة.
الصورة الثالثة هو ذلك المحضر الذي سربته صحيفة الأخبار اللبنانية عن اجتماع جمع الرقم (1) من كل طرف، وشعرت وأنا أقرؤه أنني أقرأ محضر اجتماع أطفال اختلفوا على لعبة، وانطلق كل واحد منهم في توجيه التهم بصراحة ووضوح، دون مراعاة مناصبهم وأوزانهم ومسؤولياتهم، فإلى متى ستبقى القضية الفلسطينية مطيةً؟