السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

لأننا لم نغادر المربع الأول أصلا...! بقلم: نبيل عمرو

2014-09-09 09:32:07 AM
لأننا لم نغادر المربع الأول أصلا...!
بقلم: نبيل عمرو
صورة ارشيفية

 الحدث: كان الفلسطينيون على حق، عندما تشككوا من جدية الإعلان الاستعراضي الذي تم في مخيم الشاطئ، والذي حمل عنوان "تحقيق المصالحة"، وكان بعض الفلسطينيين على حق، حين لم يصدقوا أن الوحدة الإعلامية لوفدنا في القاهرة، كانت تعبيرا عن وحدة حقيقية في الموقف الفلسطيني.

غير أن الفلسطينيين الذين ابتهجوا لما حدث في مخيم الشاطئ، وراهنوا على وحدة الوفد كتعبير عن وحدة أعمق، معذورون في ابتهاجهم ومعذورون كذلك في رهانهم، ذلك أن الجوع الفلسطيني نحو الوحدة، يجعل من كل خطوة ولو مظهرية في هذا الاتجاه، مثار فرح وأمل.

ونحن الفلسطينيين الذين تثقفنا على جملة "تفائلوا بالخير تجدوه"، لابد وأن تأخذنا مظاهر الاحتفال دون التدقيق في الأسس والنتائج، فأكثر من عشر مرات فرحنا بعناق بين مفاوضي فتح وحماس في أكثر من عاصمة، إلا اننا كنا نكابد ألم انهيار العناق بعد دقائق، لنعود من جديد إلى اصطناع التفاؤل بالنجاح في المرة المقبلة، وفق المقولة المتأصلة في وعينا "تفائلوا بالخير تجدوه".

ومع أن عناق الشاطئ تحول إلى عكسه بعد أيام قليلة، بفعل ما سمي في حينه أزمة الرواتب، فإن وحدة الوفد تحولت إلى عكسها وكأن الجميع كان ينتظر وقف النار الإسرائيلية لإشعال النار الفلسطينية.

ومن خلال المساجلات الحادة التي نتابعها على كل وسائل الإعلام، وعلى أعلى المستويات، وأوسطها وأدناها من كلا الجانبين، فإننا نلمس حقيقة مرة، وهي أن الوحدة المنشودة شعبيا ووطنيا تبدو في واد، وما يجري على صعيد القيادات السياسية في وادٍ آخر.

ولقد ظهر خلال هذه الأيام مصطلح العودة إلى المربع الأول في أمر الانقسام، وأعترض بشدة على هذا المصطلح، إذ أننا لم نعد إلى المربع الأول لأننا لم نغادره من الأصل، ولقد اخترعنا توحدا وتوافقا وعناقا في الوقت الذي كانت حزم المتفجرات تنتشر في ثنايا ما صنعنا، لأننا ونحن متلهفون على العناق أمام الكاميرات تناسينا عن عمد وسبق إصرار كل القضايا التي هي بمثابة قنابل كامنة لابد وأن تنفجر تباعا إن لم تنفجر دفعة واحدة.

لقد تناسينا عمدا الأرضية السياسية التي هي أساس أي اتفاق أو اختلاف، ثم تناسينا عمدا المعالجة الناجعة للرواتب، وتناسينا عمدا قرار الحرب والسلم في يد من وكيف، وتناسينا مائة قضية وقضية كل واحدة منها تكفي لتفجير أي احتفال وعناق.

لقد ثبت للمواطن الفلسطيني الجائع للوحدة، والكاره للانقسام والمراهن على صحوة الضمائر النائمة، أن ما يبهجه بحكم تلقائيته وبساطته وغزارة عاطفته، يعارض أجندات من صنع الانقسام ولا يرى في الوحدة الحقيقية مصلحة له.

والمؤسف حقا، أننا نعرف الطريق إلى الوحدة ولا نمشيها، ونعرف أن الخطر المميت يعشش في كل تفاصيل الانقسام الجاثم على صدرنا كبلاطة قبر، ولا نعمل بصورة حقيقية لإزاحته، ولا ننتبه إلى حقيقة أن ما حدث في غزة ولغزة سيتحول إلى كابوس إذا ما عاد الصراع الداخلي كأولوية تفرض نفسها، فكيف لنا أن نبني على صمود غزة كبداية طريق إلى تحرير القدس، بينما الانقسام يتعمق، والاقتتال يغرز أظافره في جسدنا، ونحن في غزة ما نزال في الخطوة الأولى من خطوات الألف ميل.

إن ما نسمعه من تهديدات حول جزئية واحدة من جزئيات الانقسام وهي الرواتب، يملأ صدورنا بالخوف ويطرد ما في صدورنا من زهو بعبقرية الصمود.

كل ذلك بفعل استمرار طغيان الأجندات الخاصة على أجندة الوطن المفترضة، وفي حال كهذه فلن نغادر المربع الأول أبداً.