السبت  23 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

فلسطين، عظم الله أجركم.. بقلم: أحمد زكارنة

2014-09-09 09:39:51 AM
فلسطين، عظم الله أجركم..
بقلم: أحمد زكارنة
أحمد زكارنة

تجليات

هذه هي غزة، لم تعدْ تركبُ الريحَ إلا شامخةً، مقاومةً، تعرفُها الخيلُ، والليلُ، البيداء.. هكذا ادعينا بعدما توهمنا انتصارَنا، ولكنَّ وجوهَنا المقنعةَ أبتْ إلا أن تتعرى في ظلِ انهياراتِ براءةِ الصدقِ حتى مع أنفسِنا، وتكسُّرِ خبزِ الإنسانيةِ فيما بيننا.. هذه هي غزة التي باتت اليوم ذاك الجسدَ الغارق على بواباتِ "الأنا" حتى ندركَ ضروراتِ الـ"نحن"، لنبدأَ معاً لملمةَ أشلائنا المتناثرة مع شلالِ الوجعِ المتدفقِ حسرةً على ما ربطنا يوماً ببعضِ وجوهٍ وأسماءٍ معطوبةٍ حتى في أرواحِها، دونَ أن تئنَ من فراغِ المساحاتِ أو اختلاطِها بتضاريسِ الرِّدةِ التي حولتنا من أصحابِ قضيةٍ ووطن،ٍ إلى أرقام ومصالحَ لم تكن يوماً هي الرابط، رغم كلِ تنظيراتِ اللغة ووجعِ عدم تطابقِها مع الواقع.

 

هكذا كنتُ وأكونُ حزيناً، خجولاً، عاجزاً عن تبريرِ حضورِ أسمائِنا أو تعريفاتنا، وانتمائنا لها، في ظلِ انسلاخِها عن الفعلِ وممارساتهِ، دونَ أيِ فضلٍ لصديقٍ مدعٍ، أن الرجولةَ كانت يوماً صفةً في لحظةِ مخاضٍ متعثر، حتى وإن ارتبطَ الأمرُ بحسناء طفلُها لم يكن يوماً ينتمي إلا لأبيهِ.

 

عذراً غزة.. هي فرصةٌ للحديثِ في شجونِ الحبِ والحربِ معاً، حتى وإن اختلفنا حولَ تعريفاتِ الحلالِ والحرام، ونحن نقفُ اليوم في حضرةِ الموتِ على حافةِ الحياة.. هي فرصةٌ نؤكدُ فيها أن عواملَ القوةِ والضعف، تكمنُ في الحبِ الذي لا يقتصرُ على العاشقِ والمعشوق، وإنما يتسعُ لكلِ مفرداتِ الهُويةِ الإنسانيةِ والوطنية بكل تشكيلاتِها التي تسعى للتحررِ والانعتاقِ، رغمَ كلِ تجاعيدِ الوجوه المسحوبة على تداعياتِ الحلمِ المثقل بالتفاصيلِ الخانقة على تخومِ الخيباتِ المتلاحقة بشكلٍ شبهِ لحظي.

 

هي فرصةٌ نوجهُ فيها رسائلَنا لمن كنا نعتقدُ فيهم الصدقَ عنواناً، لنعتذرَ لأنفسِنا أولاً، ونعترفَ أننا فشلنا مراتٍ ومرات في نفضِ غبارِ الزيفِ عن وجوهِ البعضِ من جمهرةٍ الطباخينَ المدعينَ امتلاكهم ناصيةَ الفعلِ بكل تكويناتهِ، وترجمتهِ بعيداً عن كلِ استثناءٍ محتمل، خاصةً حينما نعي تماماً أن الفوزَ بنشوةِ الحب، يعني الفوزَ بالاحترام وقدرة الانتصار على كلِ نعوتِ الهزيمة، في الحيزِ الفاصلِ ما بين كل ما أرهقَ ذواتِنا، وبيوتنا، وحتى نفوسَ البعضِ منا، وقبل أن يحينَ الوقتُ للجزمِ أننا خسرنا أشياءً كثيرة، لا تنحصرُ في المناخِ والجغرافيا، وإنما وصلت حدودَ قانونِ الجاذبيةِ لهذه الأرضِ وإنسان الأرض، الذي لم يتبق منه إلا خبرٌ عاجلٌ يقول: غزة، عظم الله أجركم.

 

الملاحظة، أنني وبينما كنت أهمُ لكتابةِ مقال هذا الأسبوع، تعرقلت في هذه المقالة التي كتبت عشية عدوان العام 2012، فتعمدت نشرها اليوم لما تحملهُ من ذاتِ الهم لذاتِ الوجوه، وكأن التاريخ يُعيد تكرار مآسيه ومهازله ضدنا على حدِ تنبؤ ماركس حين قال: "إن التاريخَ يعيدُ نفسهُ مرتين، الأولى في شكلِ مأساةٍ، والثانية في شكلِ مهزلة"، لنكررَ بدورنا ما تبقى لنا من خبرٍ عاجلٍ آخر، ولكنه هذه المرة وهو يقول: "فلسطين، عظم الله أجركم".