بقلم: نبيل عمرو
ضغطني الوقت في هذه المقالة، حيث ستنشر قبل ان نعرف بالضبط ماذا حدث في لقاء الرئيس محمود عباس مع الرئيس الامريكي باراك اوباما، وبالتالي فاننا جميعا بما في ذلك اخوتنا الذين في واشنطن، سوف نتحدث بلغة الاستنتاج وليس بلغة اليقين ، واستنتاجي في المشهد السياسي قبل ان يتم اللقاء في البيت الابيض، ان هنالك موقفا امريكيا « طرياً « من استعصاء يهودية الدولة، وهذا يضعنا امام استنتاج ان هذا الموقف ربما يكون الى حد ما منسقا مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي اكتفى بالصمت حيال تصريحات كيري حول هذه النقطة بالذات، وترك لبعض اعضاء ائتلافه الحكومي ان يتولوا توجيه النقد العلني للوزير كيري، كما اوعز فيما يبدو لوزير دفاعه بممارسة النقد ذاته، كي يظل طليقا في ممارسة المناورة سلبا او ايجابا حول هذه النقطة بالذات.
وهنالك استنتاج اخر، وهو ان تمديد المفاوضات صار ضروريا، ولرفع الاحراج عن الذين قالوا ولا دقيقة واحدة، فان ثمنا ربما يدفع لقاء هذا التمديد، وبالتأكيد لن يصل حد الاختراق في أي من الملفات التي يجري النقاش حولها.
ان التماهي الامريكي مع الموقف الاسرائيلي، بدا غير منطقي ولا موضوعي ولا يمكن ان يفضي الى نتيجة، ولكي تلعب امريكا دورا فعالا في الملف الفلسطيني الاسرائيلي، شديد التعقيد والاستعصاء، فلا بد وان توجد مسافة معقولة بين مواقفها ولغتها السياسية، وبين المواقف الاسرائيلية واللغة الصعبة والمتشددة التي تتبناها، وهذا امر لا يتم فقط باللغة والتوجهات الاعلامية، وانما بالاقتراب من حتمية الضغط على اسرائيل، لاتخاذ مواقف او تقديم تنازلات تتفق مع الموقف الامريكي نفسه ، سواء على الصعيد المعنوي والرمزي، مثل عدم ضرورة جعل الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة شرطا حاسما، او على الصعيد المادي مثل حجم العاصمة الفلسطينية في القدس وحدودها، وكذلك فيما يتصل بالأغوار، اضافة الى اهمية الضغط على اسرائيل لتجميد الاستيطان الذي هو الامر المفصلي في اثبات جدية اسرائيل في التعامل مع قضية السلام ومتطلبات الحل الموضوعية مع الفلسطينيين دون ان ننسى ظهور مواقف مشجعة من كافة القضايا الجوهرية التي تسمى بقضايا الوضع الدائم.
لا شك ان الرئيس عباس سوف يتعرض لضغوط مركزة من الجانب الامريكي، وسوف يقال له اننا نضغط عليك مثلما ضغطنا على نتنياهو، وسيستمع الى اغراءات ربما تكون بعيدة المدى فيما يتصل بالوضع الاقتصادي المسمى ب»الحل الاقتصادي»، كل ذلك وارد بل انه بديهي الا ان الموقف الفلسطيني حيال هذه الامور جميعا، أي حيال الضغط القاسي والناعم، يجب ان تكون حذرة ومدروسة ، لاننا نمر في ظرف لم يسبق ان مررنا به من قبل ،وهو فتح قضيتنا على الحوار والحل في زمن يستبد فيه اليمين الاسرائيلي المتطرف بالقرار السياسي، و»بينيت ويعلون»، يشكلان نموذجا واضحا في هذا الشأن، اضافة الى ان عمقنا العربي، الذي كنا نستند اليه ولو معنويا يتبدد من حولنا، من خلال فتح قضايا موازية وقد تكون بديلة او منافسة للقضية الفلسطينية، دون ان نهمل القضية الدولية الاسخن الان وهي القضية الاوكرانية.
ليس من مصلحتنا وفق أي حساب او مقياس ان نفض الاشتباك مع العملية السياسية التي يقودها السيد كيري، رغم التحفظات الكثيرة لنا على ما يجري فيها، ذلك ان اللعبة تزداد تعقيدا وحدة، ومهما تحدثنا عن بدائل عن العملية السياسية الراهنة، الا ان هذه البدائل يمكن ان تنسق مع استمرار المفاوضات، باستعداد وذكاء ودهاء مع عدم تضخيم التوقعات حيال كل محطة من محطات العملية السياسية، مع شرط بديهي وهي ان يتوقف سياسيونا عن التصريحات النارية، التي عرف الخصم قبل الصديق كم هي غير جدية وغير مجدية.
نتمنى للقاء في واشنطن ان ينجح في تحقق تقدم يبرر التمديد، ولعل الوقت غير مناسب لتوقعات اكبر من ذلك الا اذا فوجئنا بإنجاز خُبئ للحظة مواتية وأشك في ان المعطيات المحيطة بالعملية السياسية تشجع استنتاجا كهذا.