تتوفر لدي بعض الدراية الدستورية والقانونية المتعلقة بمبدأ الفصل بين السلطات، وبآلية عمل المجلس التشريعي الفلسطيني وبأحكام نظامه الداخلي، وبحقوق وواجبات أعضائه، لأني عملت فترة قصيرة في دائرته الإعلامية، فمازالت لدي بعض الذكريات عن تمرير بعض مشاريع القوانين، وتمرير أول موازنة عامة بعد توحيد حساب الخزينة، وما زلت أحفظ تفاصيل "الكولسات" النيابية، وهروب بعض النواب حين لا يريدون التصويت على مشروع قانون يخالف توجهات فصيلهم، وشهدتُ بعض المواقف الطريفة، والغريبة، أيضا-والتي قد أفرد لها يوما ما مساحة للحديث عنها.
كل ذلك، كان من حسن حظي لأن تلك الفترة كانت حية تماماً في تاريخ المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي كان في أوج عطائه. كيف لا، وقد شهدت إقرار القانون الأساسي، وتعديلات عام 2003، وشهدت الصياغة المحكمة له لترتيب الصلاحيات بين الرئيس الراحل ياسر عرفات، ورئيس وزرائه حينها رئيسنا الحالي محمود عباس.
وأذكر تماماً كيف انبرى الجميع في المجلس التشريعي حينها للدفاع عن أول رئيس وزراء لفلسطين وهو الرئيس عباس، متمسكين بالقانون الأساسي كحكم وفيصل يُحال إليه فض النزاع لتقاسم السلطات
.
ورغم كل الملاحظات، والانتقادات التي كانت توجه للمجلس التشريعي، بسب سيطرة اللون الواحد حينها على جلساته وقراراته وقوانينه، إلا أنه كان يشكل مرحلة مهمة من مراحل التحول الديموقراطي الفلسطيني، والتي وللأسف وئدت بالكامل بسبب الانقسام، فتم تعليق عمله إثر انتخابات عام 2006 التي فازت فيها حركة حماس بأغلبية المقاعد.
وحالة الوأد التي يشهدها المجلس لم تشفع له في سبيل عدم التمثيل ببقايا جثته، أو لعدم استغلاله صورياً لتمرير شيئ من الشرعية على بعض القضايا المفصلية كإقرار الموازنة العامة.
ورغم أن أعضاء المجلس التشريعي أنفسهم يتحملون مسؤولية خذلاننا كمواطنين لعدم أدائهم لدورهم الذي انتخبناهم لأجله، إلا أن قضية النائب نجاة أبو بكر المعتصمة في المجلس التشريعي، تشكل فرصة لهم جميعاً، لإعادة لم شملهم، والدفاع عن أنفسهم.
فمن واجبهم كما هو من واجبنا جميعاً، وإن اختلفنا مع آراء د. نجاة سياسياً، أن ندافع عنها، لأهمية ما تمثله قضيتها.
فإن خذلتم، يا أعضاء البرلمان الموقرين، زميلتكم النائب نجاة، ورُفعت الحصانة عنها، سنكون قد دفنا المجلس التشريعي الفلسطيني إلى الأبد، وستحلُّ عليكم لعنةُ غيابه مساءلة ومحاسبة وملاحقة من قبل السلطة التنفيذية.
فلا تكسروها ولا تخذلوها فيحقُ فيكم القولُ حينئذ: "أُكلتُ يومَ أُكلت نجاة".