صراع العبيد في روما القديمة، التي كان العبدان فيها يقتتلان حتى الموت ليموت أحدهما في المبارزة، ويلحق به الآخر على يد جنود الرومان أنفسهم بعد دقيقة واحدة، دون أن يفكر أحدهما في المصير المنتظر، والذي يثبت أن لا فرق بين القاتل والقتيل سوى دقيقة واحدة، مثل هذه الصراعات لا تنتج إلا مكسباً واحداً يصب في جعبة الحاكم القوي، وخسارتين لطرفي الصراع.
إن العنوان أعلاه لا ينتصر لأحد ضد أحد، ولا يُقصد منه اتهام طرف وتبرئة آخر، وإنما يرفض أن يكون محايداً في أمر لا يحتمل الحياد، فما جرى ويجري في آخر قلاعنا الصامدة في الداخل الفلسطيني «مدينة البشارة الناصرة» هو أحد سرديات الحكاية الفلسطينية المترنحة إلى حد مخيف في العقد الأخير.
نعم جاءت الأحداث في سياق انتخابات محلية مشروعة تماماً، وإنما تفاصيل هذه الأحداث لم يكن بالمشروعية الكافية لنصفق عالياً للفائز، أو لنقل «هارد لك» للخاسر وفقط، ذلك لكون مجريات الأحداث وتفاعلاتها وتداعياتها على الأرض، أخذت كلها منحى إن صب فحتما يصب بلا أدنى شك، في صالح الآخر النقيض، ذلك المتربص بنا حتى في علامات الترقيم التي نكتبها بين الأسطر والكلمات، فما بالنا وهو يسجل لنا مواقف اختلط أبيضها بأسودها فبات «رمادياً نحبه، ونختبئ خلفه كلما عجزنا عن اللون الواحد» على حد تفسير الشاعرة رولا سرحان في إحدى قصائدها.
المتتبع لمجريات الأمور كيف بدأت وإلى أين تأخذنا يلحظ بلا أي عناء يذكر، اتساع الفجوة الهائل الذي أصبحت عليه صورة أهلنا بالداخل، فحلفاء الأمس ضد المحتل، باتوا أعداء اليوم لأنفسهم وفي صالح ذات المحتل، والذي يستمع لخطاب النائبة العربية «حنين الزعبي» ومن قبلها النائب العربي «محمد بركة» على جهتي المنافسة، سيدرك تماماً أن الأمر تخطى كونه منافسة على خدمة الشعب والصالح الوطني، لصالح المنافسة على الامتيازات لجهة الصالح الحزبي الفئوي وفقط، ولا استثني أحداً من الناطقين بهذا الخطاب من مناصري الطرفين، والذي وصل بعضهم حد الهذيان الصادم بكل المقاييس، خاصة حينما نقرأ على صفحة أحد الأصدقاء المنتمين لأحد طرفي الصراع، اتهامه للآخر المنافس بمعادلة فشلت تماماً في تفكيكها وهو يوصم المنافس بأنه «عباسي، دحلاني» في آن، رغم خلافهما العلني، ويتكرر الأمر ذاته على صفحة صديق آخر في الجهة المقابلة، وهو يبدي استغرابه للفارق الشاسع الذي ناله الفائز المتهم بأنه «قطري الهوا والدفع» قائلاً بلغته المحلية: شو السيرة؟ يظهر كل سكان قطر جاؤوا وصوتوا لعلي سلام؟ الفائز في الانتخابات المحلية.
الغريب في الأمر، أنك حين تستمع لكلا الطرفين، تشعر بأن كلاهما صادر حق القول باسم الشعب، في معادلة تُنافسُ سابقتها في التعقيد، ولكني كي أكون منصفاً أشير إلى أحد أهم التعليقات القليلة الرزينة الهادئة، والتي جاءت على صفحة الفنانة دلال أبو آمنه وهي تقول: «الناصرة قررت، ومباركٌ قرارها.. شكرًا للسيد رامز جرايسي على مجهوده طوال هذه السنوات.. وألف مبروك للسيد علي سلاّم على اختياره رئيسا لبلدية الناصرة.. أقولها وكلّي أمل أن السنوات المقبلة ستكون محملة بالخير والمحبة لمدينتنا الغالية وأهلها الطيبين»، فمثل هذا الخطاب، هو الذي يجب أن يكون ويتصدر، لا خطابة الديكة الذي انتشر بشكل مفرط، يدفعنا للقول: إن لم تنتبهوا لما قد يودي بنا مثل هذا الخطاب الفئوي الحزبي التفريقي، فاسمحوا لي تأكيد المباركة لإسرائيل فوزها بشق الصف الوطني في الناصرة، وبالتالي فوزها بالناصرة لا عن طريق الضربة القاضية، وإنما بالنقاط.