الحدث - مقال رئيس التحرير
سامي سرحان
السابع عشر من هذا الشهر كان يوماً فاصلاً للرئيس محمود عباس «أبو مازن» في البيت الأبيض وهو يواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته الدؤوب جون كيري لبحث نقاط وثيقة المبادئ التي ترسم تصوراً للحل النهائي للصراع التاريخي الفلسطيني الإسرائيلي. نعم قُتلت كثيرا من القضايا بحثاً وباتت من البديهيات، لكن الذهنية الإسرائيلية غير القابلة للسلام والاعتراف بالآخر الفلسطيني كصاحب حقوق تختلق الصيغ والأعذار لتقتل أية محاولة للوصول إلى نهاية لهذا الصراع يحفظ حقوق الجانبين في الحرية والسيادة والاستقلال في دولتين تتعايشان في أمن وسلام.
وثمة حقائق راسخة في ذهن أبو مازن يجب على السيد أوباما أن يدركها وهو يبحث عن حل نهائي للصراع. أولى هذه الحقائق أن 11 مليون فلسطيني مشردون بين الداخل والخارج وفي أقطار المعمورة راقبوا ويراقبون بحذر شديد كل حرف وكلمة وجملة تصدر عن هذا اللقاء. ويغلُب على معظمهم الشك في نوايا الإدارة الأمريكية وحيادها. وبالتالي، فإن الـ 11 مليون ينتظرون من أبو مازن الذي عاصر النكبة وذاق ويلاتها منذ صباه وهجر من مدينته صفد وطاف العالم كغالبية أبناء شعبه الذي لم تنته مآسيه، واليوم يستقر في رام الله رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية أن يتحقق حلمه الذي هو حلم الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
لقد تقلص حلم تحرير فلسطين التاريخية إلى دولة في الضفة والقطاع، عاصمتها القدس الشرقية وخالية من المستوطنات ومن جنود الاحتلال، دولة مستعدة للتعايش مع جارتها إسرائيل التي تقوم على 78% من فلسطين التاريخية ودون حدود معلنة. هذا ما يجب أن يدركه الرئيس أوباما ووزير خارجية جون كيري وهما يحاوران الرئيس أبو مازن، كما يجب أن يدركا أيضاً أن القيادة الإسرائيلية لا تكتفي بـ 78% من فلسطين التاريخية بل تريد اقتطاع أجزاء من الـ 22% المتبقية كأراض للدولة الفلسطينية العتيدة تحت عناوين كثيرة مضللة ومطاطة كتبادل الأراضي وضم الكتل الاستيطانية الكبرى، وأمن إسرائيل الذي يتطلب السيطرة على الأغوار والحدود الشرقية لدولة فلسطين المستقبلية وبقاء المستوطنات المتناثرة بعضها تحت السيادة الإسرائيلية وبعضها الآخر تحت السيادة الفلسطينية.
كل هذا راسخ في ذهن أبو مازن وهو يحاور الرئيس أوباما. وقد قبلنا بالتعايش بين الشعبين بكرامة على هذه الأرض، لكن الطرف الآخر يرفض ذلك ويسعى لإفراغ الأرض من أصحابها الفلسطينيين ودفعهم شرقاً وشمالاً وجنوباً مستخدماً أقذر الأساليب وأبشع الجرائم، وأبسطها عنده إطلاق النار على الأبرياء والعزل من الأطفال والنساء والقضاة والشباب والعالم يراقب ولا يتكلم كأنه أصيب بالصمم.
لقد أعمت القوة العسكرية الغاشمة والمنفلتة من عقالها حكام إسرائيل فلم يعودوا يفكرون حتى بمستقبل شعبهم أو دولتهم غير مدركين أن دوام الحال من المحال. وغير مدركين أيضاً أن الشعب الفلسطيني متجذر في أرضه متمسك بحقوقه ويختزن طاقة نضالية عالية ويسعى أيضا لسلام عادل وتعايش بين أنداد لا بين سيد وعبد. وهذا بعض ما يجب أن يدركه الرئيس أوباما في أية لقاء يجمعه والرئيس أبو مازن وما يجب أن يدركه الوزير كيري عند صياغته لوثيقة المبادئ.
والأمر الأكثر استفزازاً للشعب الفلسطيني أن تطالبه إسرائيل بالتنازل عن حق عودة اللاجئين الذين طردوا من ديارهم وممتلكاتهم عام النكبة عام 48، فهل يمكن لشعب أن يتنازل عن بيته وأرضه وحقه التاريخي والقانوني والطبيعي في وطنه لمجرد اختلال موازين القوى في لحظة تاريخية.
ولم تعد إسرائيل تكتفي بالاعتراف بها في حدود الرابع من حزيران فهي اليوم تطالب بإصرار باعتراف الفلسطينيين بيهوديتها، أي أنها دولة لليهود فقط، ولا حق لعرب 1948 في البقاء في بيوتهم وممتلكاتهم، إضافة إلى ما سبق ذكره من رفض حق العودة.
والخلاصة أن إسرائيل لا تريد سلاماً ولا حلاً للصراع. وهذا حتما ما أجاب به أبو مازن مضيفه في البيت الأبيض يوم 17 آذار. وقد قال مراراً وتكراراً لا سلام بدون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران، ولا اعتراف بإسرائيل دولة يهودية، وإن حق العودة للاجئين كفله القرار الأممي 194، وقرارات القمة العربية.
وأحدث ما قاله قبل أن يتوجه إلى واشنطن والأكثر دلالة: لقد بلغت التاسعة والسبعين ولا يمكن أن أنهي حياتي بتوقيع اتفاق لا يحفظ حقوق شعبي الثابتة، وأنا من ثلاثة على قيد الحياة من مؤسسي حركة فتح صانعة الثورة وباعثة الشخصية الوطنية الفلسطينية، وليس منا ولا فينا من يفرط بأي حق من حقوقنا، فإما سلام عادل، وإما صراع مفتوح وعدم استقرار وتطرف في هذه المنطقة الحيوية، وليكن الله في عون الرئيس أبو مازن.