ترجمة الحدث- ناديا القطب
نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية صباح اليوم الجمعة 3 آذار 2016، تقريرا تحت عنوان Israeli Schools' Map to Right-wing Ignorance
وقد قامت "الحدث" بترجمته، وجاء نصه على النحو الآتي:
انها خريطة القياسية، وتستخدم لتدريس طلاب الصف السابع الجغرافيا "إسرائيل"، وفقا لاسمها. اسم لا يحدد ما اذا كانت تلك الخريطة هي خريطة "دولة إسرائيل" أو من "أرض إسرائيل"، ولكن لمحة وجيزة تكفي لإثبات أنها ليست خريطة سياسية: فهي تشمل مناطق بأكملها تتجاوز حدود دولة إسرائيل السيادية. كما أنها ليست خريطة أرض إسرائيل، والتي وفقا لوعد الكتاب المقدس تمتد من نهر مصر الى النهر الكبير نهر الفرات.
في هذه الخريطة تم مسح ما يسمى بالخط الأخضر ليعيد تعريف حدود إسرائيل إلى ما قبل عام 1967 وإلى تلك الخرائط المنشورة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وذلك ليوفروا على جيل من أطفال المدارس ضرورة الاعتراف بالحدود الشرقية الرسمية لدولتهم. فلا عجب، إذن، أن غالبية الإسرائيليين اليوم لا يستطيعون التمييز بين دولة إسرائيل، وهو مفهوم سياسي حديث، وأرض إسرائيل، وهو مفهوم ديني-تاريخي-رومانسي، لم يكن له حدود واضحة.
لإزالة الخط الأخضر عن الخارطة، مع إبقاء الناصرة وأم الفحم ومحو بقية التجمعات العربية في داخل إسرائيل من الخريطة، له هدف واحد؛ ألا وهو إنقاذ تلاميذ الصف السابع من الحاجة إلى التعامل مع حقيقة أنهم يعيشون في حالة فيها نحو 1.7 مليون إنسان - أكثر من 20 % منهم فلسطينيون.
وبشكل مثير للدهشة، وأيضا على الجانب الشرقي من الخط الأخضر يظهر الفلسطينيون بأنهم يشكلون أقلية ضئيلة، على الرغم من أن هذه الأقلية تضم نحو 82% من السكان هناك. وهم يعيشون في مئات المدن والقرى الفلسطينية، ولا تظهر إلا عددا قليلا منها على الخريطة - من بينهم عدد قليل من المدن الرئيسية. ويبدو على الخريطة، أن المستوطنات مثل كارني شومرون (عدد سكانها 6500) وكريات أربع (وعدد سكانها 7000) ليكون نفس حجم المدن الفلسطينية. وبالإضافة إلى ذلك، ليس هناك حتى ذكر لمناطق (أ) و (ب)، والبانتوستانات التي أنشئت في أعقاب اتفاقات أوسلو - والتي وقعت قبل حوالي عقد من الزمن وقبل أن يولد طلاب الصف السابع اليوم.
وبالنظر إلى الطرف الجنوبي الغربي للخريطة، فإنه قد يتم الاعتقاد أن واحدة من أكبر مشاكل إسرائيل قد تم حلها، أو أنها لم تكن موجودة. وتسمية قطاع غزة بـ "السهل الساحلي الجنوبي،" لا تفعل شيئا لمساعدة الأطفال الذين يسمعون من حين لآخر الأخبار من "الجنوب" لفهم أن هذا هو الموقع على قطاع غزة، حيث يعيش 1.8 مليون فلسطيني محشورين في مساحة 360 كيلو متر مربع.
أي شخص يستخدم هذه الخريطة لتعليم الأطفال الإسرائيليين الجغرافيا المحلية دون أن يوضح التشوهات والسهو الذي ورد عليها يقوض حق هؤلاء الأطفال في الحصول على تعليم تاريخي والجغرافي أساسي حول وطنهم. كما يعوق قدرتهم على فهم الوضع السياسي والديمغرافي الذي ولدوا فيه ويستنزف قدراتهم المستقبلية لصياغة الآراء السياسية على أسس سليمة وذكية - سواء أكانت يمينية أو يسارية- من أجل أن تشارك في تشكيل شخصية الدولة وشعبها.
هذه الخريطة تحمل واحدة من أسرار صعود اليمين الإسرائيلي في التكرار الحالي: قوتها تزيد من أكثر الحكومات المتعاقبة تستغل احتكارها للنظام التعليمي للدولة لشن حرب شاملة ضد حق المواطنين (كي لا نقول واجبهم) لفهم شيء عن الواقع الذي يعيشون فيه. خرائط ودروس الجغرافيا من هذا النوع قد لعبت، وتستمر في لعب، دور حيوي في بلورة هذا الجناح اليميني. وأكثر من ذلك هو نتيجة ثانوية للتخلي المجتمع الإسرائيلي من المعرفة المحافظة، لصالح المعرفة العقلانية الزائفة. وجاء هذا الجناح اليميني إلى السلطة لأن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتجاهل حق الإسرائيليين في الحصول على التعليم.
لقد باتت الحجة مفهومة بشأن رفض تدريس اليهود المتدينين للمواد الأساسية في المدارس لعقود، لأن هذا الإجراء صحيح. فأي شخص غير منفصل تماما عن الواقع يقر بأن الدولة الحديثة لا يمكن أن تسمح، ناهيك عن أن تمول، نظام تعليم يتواطأ في إنكار حق طلابه في دعم نفسه. وكلن الآن نجد أنه نظام الحكومة في التعليم وبذريعة تعزيز "الهوية الوطنية" يقاتل من أجل الحفاظ على ما تبقى من السكان كي يكونوا قادرين على التفكير المستقل.
العرب الذين يعيشون هنا يعرفون أيضا هذا السر، على الرغم من الجهود المبذولة من قبل محرري هذه الخريطة لإخفاء هذه الحقيقة. وتلخيص هذه المهزلة يكمن في عبارة (العقل غلب الدولة)، ويعني أن العقل (أو المعرفة) تهدد القوى المهيمنة.