الحدث- رام الله
استخرج اللقاء الذي عقده معهد الدراسات الاقتصادية "ماس"، حول تقييم تنفيذ موازنة السلطة الوطنية للعام 2014، ومتغيرات السياسة المالية في الموازنة، بأن الهم الرئيسي لدى الحكومة دفع فاتورة الرواتب الكبيرة، حيث أن ما يقارب 43% من الفاتورة تذهب للموظفين العسكريين، مع إهمال الميزانية التطويرية لدى دولة فلسطين.
مدير عام الموازنة في وزارة المالية فريد غنام، قدم رأي الحكومة في الموازنة والميزانية التطويرية التي تقدمها الحكومة سنويا، فيما قدم الرئيس التنفيذي لشركة "باديكو" القابضة سمير حليلة رؤية القطاع الخاص للموازنة، والمواضيع المهمة التي يجب أن تتخذها الحكومة للرقي في الاقتصاد الوطني.
واستهل مدير البحوث في معهد الدراسات الاقتصادية "ماس" سمير عبد الله، اللقاء في تأكيده أن العجز في الموازنة ليس وليد اليوم، بل هو موجود منذ العام 1994 وتفاقم منذ العام 2000، ولذلك لم تعد الموارد المتوفرة للاقتصاد الفلسطيني قادرة على تقديم المزيد من الإيرادات، وإن أي تحسين سيكون محدودا".
ورأى عبد الله أن السلطة الوطنية غير قادرة على الاستمرار في ظل هذا الوضع، وهذه الظروف الصعبة، مقدما جملة من الأرقام والحقائق حول الموازنة العامة، والديوان المترتبة على السلطة الفلسطينية بمختلف وزاراتها، إضافة إلى الدين الخارجي على البنوك.
وقال إن بناء المؤسسات الفلسطينية ممول من المانحين، خاصة أن المسؤولية التي وضعت على السلطة الوطنية خلال اتفاق أوسلو هائلة وضخمة، لاقتصاد غالبا مصادره محتجزة"، ويعتقد عبد الله أن الجهود المبذولة في العام 2007 للتحول إلى موازنة برامج لم تنجح بسبب طبيعة بناء السلطة، ولتحقيق ذلك يجب خلق تغيير هيكلي ولا أحد يقترب منه.
وأوضح أن تقديرات بنود الموازنة لعام 2013 لم تكن دقيقة كما العادة في الموازنات السابقة، وشابها انحراف كبير بالمقاربة مع الأرقام الفعلية المتحققة، إذ تشير البيانات إلى أن صافي الإيرادات كان أقل بمقدار 182 مليون دولار عن المقدر، وجاء هذا الانخفاض نتيجة تراجع إيرادات المقاصة بنحو 36 مليون دولار، وارتفاع قيمة الارجاعات الضريبية بنحو 107 مليون دولار عن المقدر، 93 مليون دولار منها في قطاع البترول.
وحول إيرادات موازنة 2014، قال عبد الله إن إجمالي الإيرادات العامة سيبلغ 2,742 مليون دولار بارتفاع نسبته 5% مقارنة في العام السابق، وهي نسبة مساوية للنمو المتوقع في موازنة العام 2013، وتتكون هذه الإيرادات من جزأين الأول الإيرادات المحلية التي ارتفعت وفقا للموازنة بنسبة 5,8% ويعتمد ارتفاعها بشكل أساسي على الزيادة في الإيرادات الضريبية، أما الجزئية الثانية إيرادات المقاصة التي يتوقع أن ترتفع بنسبة 5,6% لتبلغ 1,818 مليون دولار.
وأضاف أنه حسب الموازنة فإن إجمالي النفقات الجارية وصافي الإقراض سيزيد بنسبة 9,2% ليبلغ نحو 3,866 مليون دولار، ومن المتوقع أن تطرأ زيادة في فاتورة الأجور والرواتب بنسبة 7,3% أو ما قيمته 138 مليون دولار مقارنة بموازنة عام 2013، والمصدر الأساسي لهذه الزيادة زيادة رواتب الموظفين من خلال العلاوات والترقيات، بحسب ما اتفقت عليه الحكومة مع نقابة الموظفين، واتحاد المعلمين، ونقابة المهندسين، وترقيات الأجهزة الأمنية.
وأشار إلى أن صافي الإقراض سيرتفع من 81 مليون دولار إلى 767 مليون دولار لافتا إلى أنه تم صرف نحو 216 مليون دولار لصافي الإقراض في العام 2013 على الرغم أن المتوقع كان 81 مليون دولار، وفي المقابل تتوقع موازنة العام الحالي أن يطرأ ارتفاع على النفقات الجارية (غير الأجور) بنسبة 6.6% لتبلغ 1,681 مليون دولار نتيجة الزيادة في بند النفقات التشغيلية.
وأوضح أنه نتيجة للتغيرات في بنود الإنفاق والإيرادات من المتوقع أن يبلغ العجز الجاري قبل التمويل نحو 1,279 مليون دولار، وهو ما يزيد بنسبة 21,8% عن العجز المقدر في موازنة 2013، مبينا أنه سيتم تمويل العجز الجاري في الموازنة بالاعتماد على المساعدات الخارجية، حيث تم تقدير التمويل الخارجي بنحو 1,329 مليون دولار بما يفوق قيمة العجز الجاري بنحو 50 مليون دولار.
بدوره، قال غنام إن وزارته عملت قدر الإمكان على ربط قانون الموازنة بسياسة مالية منها موضوع إستراتجية عامة للإيرادات على المستوى المتوسط، بشقين الأول يتعلق بما يمكن لوزارة المالية عمله داخل الوزارة من إصلاحات منظومة الإيرادات، والشق الآخر قانوني بإقرار قوانين وتعديلات لقوانين أخرى.
وأضاف أن موازنة العام بنيت على سيناريو بقاء الوضع الحالي على حاله، مع تحسين في سياسات الإيرادات وتخفيض النفقات، والتعينات الجديدة ستكون صفر، فقط سيتم تعيين بدلاء عن المتقاعدين أو المستقيلين، واعتمدنا نظام التشكيلات الوظيفية، وهي السنة الأول التي نعتمد عليها وحتى في حال وجود إحداثيات وظيفية، لا نتطلع فقط على العددية، وإنما نتطلع للإحداثيات الوظيفية المطلوبة والمتوائمة مع عمل الوزارة واحتياجاتها.
وأوضح أن الحكومة بدأت بتطبيق موازنة البرامج الوزارات وهي في مرحلة تجريبية، وتم وضع أجندة حتى العام 2015 للوصول إلى موازنة البرامج، وإن الموازنة نشرت أرقامها على موقع الوزارة، ولم تغير الأرقام، والتفاصيل تحت الطبع.
وأشار غنام إلى استهداف السياسة المالية ترشيد النفقات وزيادة الإيرادات بشكل أفقي مع إصلاحات ضريبية وتوسيع القاعدة الضريبية بطريقة تضمن العدالة الاجتماعية، إضافة إلى قانون تشجيع الاستثمار الجديد الذي يستهدف التوسع في الإعفاءات التي أعطاها للشركات الكبرى.
وأوضح أن نسب النمو في الموازنة أكثر قبولا للتحقيق في الواقع، وهي مقدرة بنسبة 4.9% للرواتب والإيرادات بنسبة 7.5%، وعند مقارنة نسب الإيرادات في شهر شباط لهذا العام مع العام الماضي نرى أن تقديراتنا واقعية في نمو الإيرادات بنسبة 24%، ونمو في الضريبة المضافة بنسبة 34%، لكن واجهتنا تحديات في عملية الوصول للأرقام بالنسبة للرواتب على ضوء الاتفاقيات.
وفيما يخص الإصلاحات في موضوع الرواتب، بين غنام أن الإصلاح الذي صدر عن مجلس الوزراء بقطع علاوة المواصلات وغلاء المعيشة عن كل موظف لا يقف على رأس عمله، وبدأ تطبيقه في قطاع غزة لأنها أسهل، وسينفذ في الضفة وأعطيت التعليمات لمدير عام الرواتب بذلك.
وقال غنام إن الموازنة بنيت على تقدير لتمويل خارجي يتراوح بين مليار و1.1 مليار، وعجز جاري بحوالي 1.279 مليون دولار، وسيتم تعويض العجز من النمو المتوقع في الإيرادات، وتم تخصيص 350 مليون دولار موازنة تطويرية، 300 من المانحين و50 مليون من الخزينة العامة.
وأضاف أنه لدينا متأخرات منذ سنوات سابقة منها 1.4 مليار دولار لصندوق التأمين والمعاشات، وشكلنا لجنة للتقاص، وبدأنا سياسة تقديم دفعات شهرية لتخفيف هذه المديونية، وديون القطاع الخاص تراكمية ومتحركة ووصلت نهاية العام 2013 إلى 55 مليون دولار.
من جهته، قال حليلة "القطاع الخاص ينظر لخطوة إقرار التعديلات في قانون تشجيع الاستثمار وقانون الضريبة اللذان تم إقرارهما في مجلس الوزراء بالمهمة، لأنهما يفتحان الباب للحديث مع المستثمرين من جديد، وهي نقطة البدء للحديث عن موازنة تعكس مصلحة الشعب والحكومة".
وأضاف "لكن تظل هذه السياسة عرجاء، ويجب أن نتطلع لعناصر أخرى حتى تسير الموازنة بصورة صحيحة، فالحديث عن الإيرادات دون ربطه بخطة اقتصادية تجيب على التحديات الأساسية التي تواجه الشعب الفلسطيني وهي البطالة والفقر لتعزيز العدالة الاجتماعية وتعزيز النمو، تصبح سياسة تستهدف التحصيل والجباية".
واعتبر حليلة أن المرصود لصالح الموازنة التطويرية يدلل على أن الحكومة لا تدرك حجم العبء خارج الحكومة، والمشكلة الأعقد أنه خلال السنوات الثلاث الماضية لم يصرف منها سوى 10-11% والباقي سحب لصالح الموازنة التشغيلية.
وطالب الحكومة بوضع خطة لإصلاح قانون الخدمة المدنية، واصفا نظام التقشف الذي تعد به الحكومة بكلام في الهواء، والموازنة اعتمدت على سياسة واحدة في إصلاح نظام الإيرادات ولكنها لا تكفي.
من جهته، رأى مفوض الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة 'أمان' عزمي الشعيبي، أن الإرباك الذي صاحب عملية إعداد الموازنة يعكس عدم القدرة على إعداد موازنة وفق رؤية وأهداف واضحة وإمكانية الدفاع وتبرير التوجهات التي تعكسها الأرقام في الموازنة، وهو ما يبرر غياب خطاب الموازنة لأنه سيشكل أحد القيود على المعطيات الموجودة في الموازنة.
وانتقد إعلان موازنة طوارئ دون إعلان حالة الطوارئ، وغياب النقاش الجدي للموازنة مع الأطراف ذات العلاقة، كما انتقد لجوء الحكومات السابقة عند إغلاق الموازنة الاختصار من النفقات التشغيلية وهو ما يؤثر على الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين.
ودعا الشعيبي الحكومة لمعالجة موضوع فائض الإقراض والناتج عن قرارات سياسية بالتساهل والإعفاءات، واستغلال إسرائيل لهذا الجانب أسوأ استغلال، ما أدى لتحميل الموارد نفقات إضافية يستفيد منها عائلات غنية ومتخمة.
وبين أن المتأخرات للقطاع الخاص خلقت مشاكل في السوق وإشكاليات في التنمية والاستثمار، وخفضت مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
من ناحيته، أثنى مدير عام "ماس" نبيل قسيس، على وزارة المالية لتقديمها للموازنة بصورة مبكرة لهذا العام، وأخذ عليها غياب بيان الموازنة، مبينا أن الاعتماد في تحسين الإيرادات التي تشكل 32% من الوعاء الضريبي غير واقعي.
وقال إن الحكومة تواجه استعصاء تحولها المشغل الرئيسي، وتعامل البعض معها كمشغل وليس مقدم للخدمة، ولهذا أصحبت الرواتب الشغل الشاغل للحكومة، والاستعصاء الآخر هو ربط الضرائب بالعدالة الاجتماعية، وهذه لا تتوفر إلا من خلال تخفيض نسب الضرائب غير المباشرة، والمرونة في مجال الجمارك وزيادة الضرائب المباشرة.