غزة- محاسن أُصرف
كثيرًا ما نُقابل رسائل عبر البريد الإلكتروني أو وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، يستجدي مُرسلها مالًا سواء لشخصه أو لغيره، بهدف تجاوز أزمة طارئة كمرض أو تسديد دين أو استكمال مصاريف دراسة أو زواج، فيما بات يُعرف بـ"التسول الإلكتروني".
ويرى مراقبون فلسطينيون أن التسول الإلكتروني هو النسخة الحديثة والمتوافقة مع تكنولوجيا العصر، حيث يتم فيها استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الحديثة بدلًا من الطريقة التقليدية في الطرقات وعند المساجد وأبواب المؤسسات الاجتماعية والوزارات الرسمية والأسواق الشعبية، لطلب المال، وشدد أولئك في أحاديث منفصلة مع "الحدث" أنها وسيلة خداع لاستجلاب المال بعيدًا عن معاناة العمل والسعي لكسب الرزق ما يُؤثر على القدرة الإنتاجية للفرد ومشاركته في بناء المجتمع وتطويره.
خطر يُهدد فعالية الشباب
بدوره قال المواطن محمد عبد الرءوف (35 عامًا) من مُخيم النصيرات وسط قطاع غزة، "إن التسول الإلكتروني خطر على فعالية الشباب في المجتمع"، مُشددًا على ضرورة التصدي لمن يتخدونها سبيلًا للعيش بدافع الفقر وانتشار البطالة، وأضاف: من الواجب كشف من يعملون على جمع التبرعات ووضعهم تحت المجهر لمعرفة نشاطاتهم والتأكد من حاجتهم ومحاولة تلبيتها بالعمل لا المنح والتبرعات، ونبّه إلى وجود فئات تستغل الأموال التي تجمعها عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة وبخاصة مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، "تويتر" و"واتساب"، وغيرها، في أمور ضارة كتجارة المواد المُخدرة مؤكدًا أنها بهذه الطريقة تكون وسيلة هدم وإفساد للمجتمع.
فيما دعت الطالبة ميسون عبد الله (21 عامًا) والتي تدرس المحاسبة في الجامعة الإسلامية، إلى ضروة وجود جهة رقابية يُمكن تشكيلها من وزارة الشئون الاجتماعية ووزارة الشباب ووزارة الداخلية يقع على عاتقها مسئولية متابعة الجهات الطالبة للمساعدة والتحقق من بياناتها وحالتها ومن ثم توفير الدعم بشكل مباشر بدلًا من إرساله إلكترونيًا، وقالت:"كثيرًا ما تلقيت رسائل عبر البريد الإلكتروني وأُخرى عبر الواتساب يطلب فيها المرسل مالًا بشكل عاجل" وتُضيف أحيانًا يكون السبب تافهًا كشراء سيارة أو استكمال مصاريف حفل زفاف وأحيانًا أُخرى تكون لأسباب معقولة كالعلاج من أحد الأمراض المستعصية مؤكدًا عدم قدرته المالية على استيفاء مصاريف العلاج، وتُتابع:" لا أتفاعل مع أي من الرسائل لقناعتي أنها خدعة".
ضبط الظاهرة
وأبدى معين رجب المُحلل الاقتصادي، تخوفه من تنامي ظاهرة "التسول الإلكتروني" في المجتمع الفلسطيني، وأكدعلى ضرورة أن يتم ضبطها باعتبارها أسرع وسيلة لتنمية الظواهر السلبية في المجتمع كـ الاتكال والارتهان لوصول التبرع المالي بعيدًا عن المحاولة والاجتهاد في العمل للحصول على قوت اليوم، وقال :"التسول الإلكتروني يُسهم في نشر السلبية بين الشباب ويمنحهم الذريعة للخمول والتخلف عن العمل كما يُشجعهم على سلوك أعمال خطرة".
ومن الناحية الاقتصادية، أرجع رجب انتشار الظاهرة في الأراضي الفلسطينية إلى سوء الأوضاع الاقتصادية ووصول معدلات الفقر والبطالة بين الشباب الفلسطيني إلى أعلى مستوياتها، وقال: البعض يجد ضالته في الإنترنت سريع الانتشار في الحصول على بعض المال يُمكنه من خلاله تأمين بعض احتياجاته الأساسية أو بدء مشروع صغير يُحقق له استمرارية في الدخل بدلًا من استمرار طلب العون كلما نفذ ما تم التبرع له به" وأشار أن وسائل التكنولوجية ترفع الحرج عن الشباب كونها تُطلب وتصل بطريقة غير وجاهية.
وحول نتائج الظاهرة أوضح أنها تزيد الفجوة بين الفقراء والأغنياء وتُنشئ طبقة جديدة تتسم بالغنى الفاحش بطرق غير قانونية وغير مشروعة، داعيًا جهات الاختصاص الرسمية في الحكومة الفلسطينية بالعمل على ضبط الظاهرة وإنهاء أسبابها بتوفير برامج عمل متنوعة للشباب والخريجيين ومساعدتهم بالإمكانات المتاحة لبدء مشوارهم العملي وتوفير مصدر كسب مشروع لهم سواء بتوفير فرص عمل أو تقديم العون المالي واللوجستي لبدء مشاريعهم، منوهًا إلى أن ذلك سينعكس على حالة التنمية في الاقتصاد وسيوفر له القدرة على الاستمرار في المواجهة.
استغلال للعاطفة
من جانبه أكد درداح الشاعر أستاذ علم النفس بجامعة الأقصى، أن التسول الإلكتروني بات أحدث الوسائل التي تعمد على استغلال العاطفة لجلب المال، مؤكدًا أنه "غير أخلاقيًا" ولا يُمكن تبريره بسوء الأوضاع الاقتصادية واستفحال الفقر والبطالة بين المواطنين، وقال:"الكثيرون يتذرعون بالحصار وما خلفه الاحتلال من دمار في كل مناحي الحياة لطلب المال سواء لهم أو لغيرهم تحت مسميات المبادرات الخيرية والحملات الإنسانية" وأشار أن عدم وجود جهة رسمية لمراقبة وضبط تلك المراسلات والمبادرات يضعها تحت المجهر.
ودعا الشاعر الجهات المتبرعة إلى عدم التعاطي معها إلا بعد التحقق من صدقيتها ومدى حاجتها حتى لا تذهب أموالهم هباءًا وتصل إلى غير مستحقيها، وشدد في الوقت ذاته على ضرورة إيصال التبرعات عبر القنوات الرسمية التي من شأنها أن تُخفف من معاناة الفقراء في المجتمعات.