الثلاثاء  26 تشرين الثاني 2024
LOGO
اشترك في خدمة الواتساب

دولة الخلافة الإسلامية ومسلماتنا الواهية / بقلم: هبه جلال- مصر

2016-03-29 10:14:10 AM
دولة الخلافة الإسلامية ومسلماتنا الواهية / بقلم: هبه جلال- مصر
هبة جلال

 

انقطعت عن هذه المساحة فترة، وفيما أمسكت بالقلم لأعاود الكتابة، توقفت طويلاً وترددت أكثر وأنا أفتش عن عنوان عريض لقضية تشغلني ويختلط فيها العام بالخاص إلى درجة محيرة. على مدار الأيام الماضية أو بالأحرى الأشهر الفائتة، تابعت أخباراً لا تنقطع عن الإرهاب بمختلف ألوانه وأشكاله، فكل صوت يذهب للمرشح اليميني في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب، وكل سور يرتفع في وجه اللاجئين العالقين بين ما يعتبرونه جنة أوروبا ونار الطائفية التي أحترقوا بأتونها، يرتبطان بعلاقة اطرادية مع عمليات إرهابية تستهدف الثقافة والمجتمعات الغربية التي ينتمي إليها المنفذون، كل هذا لا يمكن قراءته بمعزل عن ترويع بوكو حرام للقارة الإفريقية، ولا هجمات حركة الشباب بين الحين والآخر، فتلك الأخبار باتت واقعاً ننام ونصبح عليه.

قرأت عشرات المقالات، معظمها يدين الإرهاب، فيما البعض عالق في الماضي تائه بين صفحات التاريخ، يصنع من سايكس بيكو والإمبريالية الغربية شماعات تسع كل الإخفاقات الشرق أوسطية والخيبات العربية المتوالية.

من بين ما قرأت وتابعت، مقابلة أجرتها بي بي سي عربي مع أحد مقاتلي داعش بعد أن ألقت قوات البشمركة الكردية القبض عليه، شاب بسيط لا تشي ملامح وجهه المنبسطة بإعدامات اعترف بالقيام بها لجنود الجيش السوري النظامي، الشاب الذي ظهر في الفيديو وهو يدخن سيجارة قال إنه لم يمارس الذبح ولكنه قتل العشرات ممن وصفهم بكفار يستحقون القتل، قال أيضاً، في ما قال، إن العديد ممن كانوا يتطوعون لتنفيذ مهمات انتحارية لم يكونوا على درجة عالية من الالتزام الديني من حفظ للقرآن وابتعاد عن المعاصي، ونهاية توقع أن يظل التنظيم قائماً حتى وإن حورب دولياً أو خسر أراضٍ هنا أو هناك، فالفكرة ستبقى وستستمر في اجتذاب المؤيدين والأنصار.

 

بعد أن شاهدت المقابلة ظللت أسأل نفسي، أي قناعة قد تكون من القوة والعمق والسيطرة بحيث تدفع إنساناً إلى إنهاء حياته بضغطة زر على حزام ناسف أو قنبلة موقوتة؟ ما هي تلك الفكرة القهرية التي لا يملك المرء معها المقاومة، فقط يملك الانصياع والتسليم؟

 

دولة الخلافة التي أنشأها تنظيم داعش في سوريا والعراق ويحاول مؤخراً أن ينقلها إلى ليبيا لم تزعزع فقط الشعور بالأمان والسكينة في هاتين الدولتين والعالم بالتبعية، بل هزت حصوناً منيعة، حصون ما نعرفه عن الدين وكيفية فهمنا له، وغيرت نظرة بعضنا إلى نفسه وثقافته فما أفجعتنا به داعش من إقامة الحد ورجم للنساء مارسته ممالك وجمهوريات تحت اسم الحكم وفقاً للشريعة الإسلامية، فهل تسبغ الشرعية السياسية والقانونية على الفعل نفسه حقاً هو مجرد منه؟

 

وكيف يمكن أن يكون لفعل واحد وجهان متناقضان، الأول هو الإرهاب، والآخر هو الدين؟

 

يقودنا هذان السؤالان إلى سؤال ثالث أخطر، هل داعش في ديننا؟ أثق بأن هذا السؤال يراود الكثيرين، بعضنا يطرح شكوكه علناً، فيما آخرون يبقونها طي الكتمان اتقاء لشر مجتمع يرفض المساس بالمسلمات، يهاب التغيير ويكفر بالرأي الآخر لكن حتى وإن لم نفصح خوفاً من الوقوع بين أنياب تحترف التشنيع والتكفير، تبقى تلك الأفكار بداخلنا تسممنا وتشوه الميراث الثقافي للأجيال القادمة.

 

أعترف أنني من بين كثر يلقون باللوم على واشنطن، وكنت قد كتبت هنا سابقاً تحت عنوان "فرانكنشتاين الذي صنعته أمريكا"، أقول إن الدول الكبرى عززت الطائفية في العراق من خلال إسقاطها للزعيم صدام حسين، وبالتالي زعزعة الهيمنة السنية على البلاد ثم الدفع برجلها نوري المالكي الذي شهد عهده تمييزاً لصالح الشيعة. سوريا هي الأخرى ميدان آخر ونموذج لهذه البراجماتية الغربية، فالحسابات الدولية هي ما تبقي الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة حتى هذه اللحظة، وبالرغم من مقتل أكثر من 250 ألف سوري حسب التقديرات الأممية وما يزيد عن 300 ألف حسب تقديرات جهات معارضة، والحسابات الدولية نفسها هي ما تجعل من القضاء على تنظيم داعش أمراً صعباً بالرغم من تأسيس ما يعرف بالتحالف الدولي لدحر تنظيم داعش والغطاء السياسي والتأييد الشعبي الكبير الذي يحظى به هذا الكيان. لكن كما تحدثت سابقاً عن مساهمة القوى الكبرى في تعزيز الإرهاب داخل الدول العربية، أدعو الآن من نفس الموقع مفكري هذه الأمة وعقلاءها إلى إجراء مراجعات دينية وثقافية لكل ما يرتكز عليه مشروع الخلافة الإسلامية، وبشرط التجرد علناً، نهزم فاشية دينية يمارسها الجميع على حد سواء، حكومات وتنظيمات وأفراد.