نبدأ بالسؤال، لماذا يبتعد البعض منا عن إبداء الرأي (والكلمة موقف) تجاه شعب مضطهد تعداده يقارب الثلاثين مليون إنسان موزعين على بقعة جغرافية واسعة وممتدة، ولكنها موزعة بين العراق وسوريا وتركيا وإيران، وهي القومية الكردية؟
مسألة صراع الأكراد مع أكثر من طرف امتد لعشرات العقود، وتحديداً منذ أن استقلت بلدان المنطقة عن الحكم العثماني وبعدها رسمت دول الاستعمار الجديد خرائط المنطقة وتوزعت الشعوب الكردية شتاتاً بين الدول المذكورة!
لم يتوقف الأكراد المشتتين عن المطالبة بحقوقهم القومية بما فيها حقهم في الحفاظ على لغتهم والاعتراف بها كلغة من لغات دول المنطقة، وقد مورست من أجل غاية الاعتراف بهم وبحقوقهم أساليب متعددة، منها ما كان سلمياً ومنها ما كان عنيفاً، وبعض تلك الأساليب أتاحت الفرصة لبعض الأطراف (مثل إسرائيل) التدخل لإذكاء روح الصراع وتفتيت المنطقة مثلما حصل مع ثورة البرازاني ضد الحكومات العراقية منذ أيام الملكية وحتى اليوم.
لم يجر تعديل جوهري من قبل أطراف المنطقة الأربعة في التعامل الواقعي مع المسألة الكردية باستثناء ما جرى مع أكراد العراق في عهد حكومات ما بعد حكم البعث، صدام حسين، ومع كل التقدم الحاصل في شمال العراق إلا أن هناك مسائل جوهرية لم يصل الطرفان العراقيان إلى وسيلة ناجعة لحلها حتى الآن!
في الغالب ما زال الموقف في الدول المذكورة من الشعب الكردي على حاله، بل أن أكثر الحالات عدائية وشراسة هي الأساليب التي تمارسها الأحزاب القومية التركية، ويمشي حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان على ذات النهج في معاداة الأكراد واعتبار حزب العمال الكردي بزعامة عبد الله أوجلان حزباً إرهابياً، لا بل إنه يحاول الآن أن ينزع الحصانة الدبلوماسية عن ممثلى الحزب اليمقراطي الكردي في البرلمان التركي، بالرغم من أن الحزب المذكور حزب سياسي لا ينتهج استخدام السلاح في نيل حقوق الشعب الكردي/ التركي في مناطق ديار بكر في الجنوب الشرقي التركي، علماً أن عددهم يقارب العشرين مليون نسمة، وذلك حتى لا تنتقل (عدوى) تقرير المصير إلى الشعب الكردي في تركيا!
لم يطرح الأكراد في أي من المناطق الكردية موضوع الانفصال عن الدول التي يتوزعون فيها، وأسوق مثلاً موقف أكراد سوريا قبل العام 2011 حيث كانت مطالبهم تتركز حول الحصول على الجنسية السورية وحقهم في حمل جواز السفر السوري والمساواة، وما زال هناك حوالي ربع مليون كردي سوري محرومون من حمل جواز السفر لدولتهم! وفي ظل البحث عن حلول سياسية للازمة السورية فقد تحرك أبناء الشعب الكردي ليقدموا حلاً لوضعهم السياسي في الظروف الراهنة، يقوم على إيجاد نظام حكم فيدرالي لا يمس بوحدة أراضي الدولة السورية، وهو حل أقرب إلى أسلوب الحكم اللامركزي، ومع كل ذلك فقد توحدت كل الأطراف السورية (في الحكم والمعارضة) على التصدي لهذه الحلول والتصورات المقترحة، والتقوا بموقفهم هذا مع الرفض المطلق من الحكومة التركية، إضافة لشن حرب من قبل حكومة أردوغان على قوات الحماية الكردية وهي التي تشن حربها على (داعش)!
راهناً، تركيا هي رأس الحربة ضد الشعب الكردي على أراضيها أولاً، وعلى أكراد سوريا ثانياً، في الوقت الذي تقيم فيه أفضل العلاقات السياسية والاقتصادية (شراء البترول المهرب) من قبل حكومة مسعود البرازاني، وربما إنها لا تمانع إقامة دولة مستقله لحكومة البرازاني ما دامت هي الدولة الأولى والأخيرة للأكراد!
الأكراد أحفاد صلاح الدين الأيوبي وكبار القادة العظام في التاريخ العربي والإسلامي، يواجهون ظلماً تاريخياً يستهدف تاريخهم ولغتهم ودورهم في النضال التحرري العربي، وما زال الفلسطينيون يذكرون بحب وتقدير أفواج المتطوعين الأكراد الذين التحقوا بالثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، ويذكرون الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن الحق الفلسطيني.. وكما يناضل الشعب الفلسطيني من أجل تحقيق تقرير مصيره واستقلاله السياسي، فإن ذات الحق الذي نناضل من أجله هو حق مؤكد للشعب الكردي الشقيق إذا أراد الاستقلال الكامل أو الحكم الذاتي الفدرالي في الدول القائمة، فهذا شأنه، وبغير ذلك فإن المقولة الشهيرة التي تقول: "إن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حراً"، هي ما يجب ألا نقع فيها.